الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
4- الحق في العمل

تقرر حق المرأة في العمل منذ العهد النبوي، سواء العمل المهني أو العمل الدعوي. أي أن مشاركة المرأة في التكليف والعمل والمسئوليات قررتها الشريعة الربانية، وتعد من مميزات هـذه الحضارة، التي اعترفت منذ قرون بحقوق المرأة في كتابها المبين وبسطتها من خلال سنتها الشريفة، ونالت بها المرأة مكانتها الطبيعية إلى جانب الرجل، وقد بسطت أحاديث كثيرة هـذا الأمر، وكل حديث يحمل دلالات عميقة، ويعرض أشكالا مختلفة من الممارسات الحياتية التي مرت [ ص: 72 ] بها المرأة المسلمة، تحثنا على التأسي بها ووضعها مثالا يمكن أن ينسحب على حياة المرأة في واقعها اليوم، منها هـذه الأحاديث الشريفة:

- ( عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى )



[1] .

- ( وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، قال: «طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها، فزجرها رجل أن تخرج - وهي في فترة العدة - فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا )



[2] .

- ( عن أسمـاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما - زوج الزبيـر ابن العوام - قالت: « ... كنت أنقل النوى من أرض الزبير، التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: إخ إخ، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال ... )



[3] .

ومثل هـذه الأحاديث وغيرها تبرز أهمية العمل وضرورته بالنسبة للمرأة، بوصفه واقعا إنسانيا في العصر الحاضر، يجد مرجعياته [ ص: 73 ] متجذرة في حضارتنا الإسلامية منذ العصر النبوي، لكنه يتطلب منا الآن -أكثر من أي وقت مضى، بعد أن اختلط الصالح بالفاسد- أن نقوم بترشيده ووضع ضوابط شرعية له، وأن نعتبر الأمومة على رأس قائمة الأعمال الصالحة التي يمكن أن تقوم بها المرأة، على اعتبار أنها وظيفة ملازمة لها منذ إنجابها إلى وفاتها. والناظر في تاريخ الحضارة الإسلامية، منذ نزول الوحي إلى بلوغها أوج العطاء الإنساني، يجد أن المرأة كانت حاضرة تقوم بمسئولياتها حسب طاقاتها وتشارك في عمارة الأرض. وإذا حاولنا تقصي ذلك وتفصيله وتوثيقه فسنحتاج إلى مجلدات ضخمة، لكننا نكتفي بالإشارة إلى شخصيتها المستقلة، وحضورها الواعي في كل مجالات الحياة العامة والخاصة، والتزامها بحدود الله والآداب الشرعية، سواء كان ذلك في قرارها في بيتها تقوم برسالة أمومتها، أم في العمل المهني بما لا يتعارض مع مسئوليتها الأسرية ورسالتها الأصلية، حيث شاركت في الإفتاء والتدريس والرواية والتمريض والزراعة وغير ذلك من شئون الحياة.

وقد آن للمرأة اليوم أن تخرج عن تكاسلها واستكانتها للتخلف، وأن تتطلع بعقلها الذي سيطرت عليه النظرة الدونية والجسدية إلى درجات من الوعي والنضج تؤهلها لبلوغ مرتبة المرأة الرسالية الحاملة لمسئولية الأمانة، وتفعيل هـذا النضج والوعي إلى عمل فاعل ونافع في المجتمع، وإلى سلوكيات تنبذ حب الراحة والدعة والكسل، التي [ ص: 74 ] أصابتنا بمختلف العلل والآفات. وإنها مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بالتشمير عن ساعد الجد، واستثمار وقتها كاملا، إذا أرادت تأدية دورها غير منقوص في عمارة الأرض، وأن تضع نصب عينيها قوله تعالى:

( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (النجم:39) .

التالي السابق


الخدمات العلمية