الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            المعطيات الحضارية لهجرة الكفاءات

            نخبة من الباحثين

            3- الإطار العام لهجرة العقول: تحرك الأشخاص وأنماطه:

            يمكن أن يعالج موضوع هجرة العقول في سياق أعم هو تحرك البشر في شتى أنحاء العالم وعلى مدار الزمان، وتتسق أنماط التحرك البشري مع فكرة البحث عن فرص أفضل، إما البحث عن عمل للعيش، أو البحث عن ملجأ أو مأوى آمن أو البحث عن مجالات لتحقيق الذات، والغالب في أنماط التحرك البشري أنها ناتجة عن أسباب وحواجز تعوق المتحركين عن البقاء في بلاد المنشأ فيبحثون عن بلدان مقصد جديدة، مفترضين أن بين المنشأ والمقصد بونا شاسعا في توفير الرزق والكرامة والاعتبار للإنسان.

            ولقد ارتفعت نسبة المتوجهين إلى البلدان المتقدمة في الخمسين عاما الماضية، أما اليوم فقد شهدت الهجرة نحو الخارج تباطؤا مؤقتا ناتجا عن انفجار الأزمة الاقتصادية ابتداء من سنة 2008م، والأزمات السياسية [ ص: 145 ] المرتبطة بقوانين الإرهاب الجديدة وبالحملات الغربية المتوالية لوقف مد الهجرات من البلدان الفقيرة نحو البلدان المتقدمة الغنية، ويعني ذلك أن الدول المتقدمة شرعت في سن قوانين ووضع قيود وضغوط على التحرك البشري نحو بلدانها.

            - من يتحرك وإلى أين ومتى ولم؟

            غالبا ما ينعت التحرك البشري المتصل بالهجرة بأنه تدفق من الجنوب إلى الشمال، ولكن للتحرك أنماطا عديدة أبرزها تحرك الأشخاص داخل حدود بلدهم [1] ، وقابلية التحرك داخل البلد أمر حيوي ضروري للتنمية، ويعبر عن رغبة الأفراد الراحلين أو المتحركين في اختيار أنماط عيش أنسب لهم مما هم فيه أو البحث عن فرص عمل.

            ولكننا عندما نتحدث عن الهجرة البشرية من بلد إلى بلد آخر، فإنما نعني الهجرات الكبرى، وكذلك الشأن في هجرات المهارات والعقول، وتتصل الهجرة على وجه العموم بوجه طبيعي تشترك فيه كل أنماط التحرك البشري، ووجه آخر يقتصر على الهجرات الاضطرارية كزحف العمال إلى المدن الكبرى والبلدان الغنية للبحث عن عمل خارج الوطن أو كهجرة العلماء إلى الخارج للبحث عن وضع أفضل. [ ص: 146 ]

            وأما الوجه الأول فتأتي أهميته أيضا من أن التغير يصيب حياة الإنسان في جوانبها كافة، في الأدوات ووسائل الاتصال، في العمارة والعمران ونمو المدن، في نمط التفكير، في الأذواق والفنون ومذاهب الاختيار، في مناهج الدراسة والتعليم، في العلاقات الاجتماعية والمكانات والأدوار [2] .

            ولكن التغيرات الخاصة التي تعنينا ههنا هي الناتجة عن هجرة الكفاءات العلمية والتقنية من الطلاب العرب المتفوقين الذين تخرجوا من الجامعات العربية الكبرى أو الجامعات الغربية. وقد لاحظ تقرير التنمية البشرية لعام 2003م [3] أن هجرة الكفاءات العلمية والتقنية العربية العالية، إلى بلدان الغرب واستقرارها فيها، تسهم إلى حد كبير في تقويض التنمية الاقتصادية في المنطقة، والسبب الرئيس لهجرة الكفاءات غياب البيئة المجتمعية والإمكانات التي يمكن أن تؤدي إلى قيام تلك الكفاءات العالية بدورها المنشود في منظومة المعرفة وفي نهضة بلادها، مع تحقق الذات وتوافر أسباب العيش الكريم.

            ويرى التقرير أن الخسارة المترتبة على هجرة الكفاءات تتمثل في تحمل الدول العربية تكاليف إعداد الكفاءات والعقول المهاجرة إلى البلدان المتقدمة، وهذه معونة عكسية ودعم من بلدان نامية إلى دول الاستقبال [ ص: 147 ] الغنية. والأهم من ذلك تكلفة الفرصة المضاعفة التي تتمثل في فقدان العائد المنتظر لمساهمة أصحاب الكفاءات المهاجرة، في تنمية أوطانهم، خاصة أن لهم أثرا كبيرا في نشاط منظومة المعرفة ونموها. وتكلفة الفرصة المضاعفة خسارة أكبر يمنى بها وطن المنشأ.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية