الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        [ ص: 150 ] الفصل السابع المعاصي التي ليس فيها حد مقدر وبيان الحد الشرعي

        وأما المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ولا كفارة ، كالذي يقبل الصبي والمرأة الأجنبية ، أو يباشر بلا جماع ، أو يأكل ما لا يحل كالدم والميتة ، أو يقذف الناس بغير الزنا ، أو يسرق من غير حرز ، أو شيئا يسيرا ، أو يخون أمانته ، كولاة أموال بيت المال أو الوقف ، ومال اليتيم ونحو ذلك ، إذا خانوا فيها ، كالولاة والشركاء ، إذا خانوا ، أو يغش في معاملته ، كالذين يغشون في الأطعمة والثياب ونحو ذلك ، أو يطفف المكيال والميزان ، أو يشهد الزور ، أو يلقن شهادة الزور ، أو يرتشي في حكمه ، أو يحكم بغير ما أنزل الله ، أو يعتدي على رعيته ، أو يتعزى بعزاء الجاهلية ، أو يلبي داعي الجاهلية ، إلى غير ذلك من أنواع المحرمات فهؤلاء يعاقبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا ، بقدر ما يراه الوالي ، على حسب كثرة ذلك الذنب في الناس وقلته ، فإذا كان كثيرا زاد في العقوبة ، بخلاف ما إذا كان قليلا ، وعلى حسب حال المذنب ، فإذا كان من المدمنين على الفجور ، زيد في عقوبته ، بخلاف المقل من ذلك ، وعلى حسب كبر الذنب وصغره ، فيعاقب من يتعرض لنساء الناس وأولادهم ، [ ص: 151 ] ما لا يعاقبه من لم يتعرض إلا لمرأة واحدة ، أو صبي واحد وليس لأقل التعزير حد ، بل هو بكل ما فيه إيلام الإنسان ، من قول وفعل وترك قول ، وترك فعل ، فقد يعزر الرجل بوعظه وتوبيخه والإغلاظ له ، وقد يعزر بهجره وترك السلام عليه حتى يتوب إذا كان ذلك هو المصلحة ، كما { هجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الثلاثة الذين خلفوا }

        وقد يعزر بعزله عن ولايته ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعزرون [ ص: 152 ] بذلك ، وقد يعزر بترك استخدامه في جند المسلمين ، كالجندي المقاتل ، إذا فر من الزحف ، فإن الفرار من الزحف من الكبائر ، وقطع خبزه نوع تعزير له ، وكذلك الأمير إذا فعل ما يستعظم فعزله من الإمارة تعزير له .

        وكذلك قد يعزر بالحبس ، وقد يعزر بالضرب ، وقد يعزر بتسويد وجهه وإركابه على دابة مقلوبا ، كما روي عن عمر بن الخطاب ، أنه أمر بذلك في شاهد الزور ، فإن الكاذب سود الوجه ، فسود وجهه ، وقلب الحديث ، فقلب ركوبه .

        وأما أعلاه ، فقد قيل : " لا يزاد على عشرة أسواط " .

        وقال كثير من العلماء : لا يبلغ به الحد ثم هم على قولين : منهم من يقول : " لا يبلغ به أدنى الحدود " : لا يبلغ بالحر أدنى حدود الحر ، وهي الأربعون أو الثمانون ; ولا يبلغ بالعبد أدنى حدود العبد ، وهم العشرون أو الأربعون وقيل : بل لا يبلغ بكل منهما حد العبد .

        ومنهم من يقول : لا يبلغ بكل ذنب حد جنسه وإن زاد على جنس آخر ، فلا يبلغ بالسارق من غير حرز قطع اليد ، وإن ضرب أكثر من حد القاذف ، ولا يبلغ بمن فعل ما دون الزنا حد الزنا ، وإن زاد على حد القاذف .

        كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " أن رجلا نقش على خاتمه ، وأخذ بذلك من بيت المال ، فأمر به فضرب مائة ضربة ثم في اليوم الثاني مائة ضربة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة ضربة [ ص: 153 ]

        وروي عن الخلفاء الراشدين ، في رجل وامرأة وجدا في لحاف : " يضربان مائة "

        وروي { عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في الذي يأتي جارية امرأته ، إن كانت أخلتها له : جلد مائة ، وإن لم تكن أخلتها له : رجم } وهذه الأقوال في مذهب أحمد وغيره ، والقولان الأولان في مذهب الشافعي ، وغيره .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية