الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الخامسة والأربعون بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأن نصف فراس الغنم فيها مثل مثلها في غيرها من البلاد .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة والأربعون بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه لا يدخلها الدجال .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة والأربعون بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              ولا الطاعون .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة والأربعون بعد المائة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه -صلى الله عليه وسلم- صرف الحمى عنها أول ما قدمها ونقلها إلى الجحفة ، ثم لما أتاه جبريل بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد برجال ثقات عن أبي عسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسك الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة ورجز على الكافر" .

                                                                                                                                                                                                                              قال السيد : والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية ، لكن قال الحافظ : لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة كان في قلة من أصحابه ، فاختار الحمى لقلة الموت بها على الطاعون لما فيها من الأجر الجزيل ، وقضيتها إضعاف الأجسام فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة ، ثم كانوا حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون حصلت له بالقتل في سبيل الله ، ومن فاته ذلك دخلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ثم استمر ذلك بالمدينة ، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها .

                                                                                                                                                                                                                              قال السيد : وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر ، والمشاهد في زماننا عدم خلوها منها أصلا ، لكن ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون ، فإنها محفوظة عنه الكلية ، فالأقرب

                                                                                                                                                                                                                              أنه -صلى الله عليه وسلم- لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيئا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك ، فقال في دعائه : "فحمى إذن أو طاعونا"

                                                                                                                                                                                                                              أراد بالدعاء بالحمى الموضع الذي لا يدخله طاعون ، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء ، بل هي رحمة بدعائه -صلى الله عليه وسلم- ، وقد استشكل قرن الدجال بالطاعون مع أن الطاعون شهادة ورحمة فكيف يمتدح بعدمه ؟ وقد يشكل من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : أن كونه كذلك ليس لذاته ، وإنما المراد ترتب ذلك عليه ، وقد ثبت ذلك من رواية الإمام أحمد "يؤخذ أعداؤكم من الجن" فيكون الإشارة بذلك إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من الطعن به ، كما أن الدجال ممنوع منه ، ألا ترى أن قتل الكافر المسلم شهادة ، ولو ثبت ذلك أن الكفار لا تسلط عليه لحاز غاية الشرف . [ ص: 333 ]

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن أسباب الرحمة لا تنحصر في الطاعون وقد عوضهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه الحمى حيث اختارها عند ما عرضها عليه كما تقدم ، وهي طهرة للمؤمن ، وحظه من النار ، والطاعون يأتي في بعض الأعوام ، والحمى تتكرر في كل حين ، فتعادلا ، وفيه نظر ، لأن تكثير أسباب الرحمة مطلوب ، ولأنه لا يرفع إشكال التمدح بعدمه .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنه وإن اشتمل على الرحمة والشهادة ، فقد ورد أن سببه أشياء تقع من الأمة كظهور بعض المعاصي ، وقد روى الإمام أحمد بأسانيد حسان صحاح عن شرحبيل بن حسنة وغيره "أنه- يعني الطاعون- رحمة ربكم ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد تفسير كونه دعوة نبيكم عن أبي قلابة -رضي الله عنه- بأنه -صلى الله عليه وسلم- سأل ربه -عز وجل- أن لا يهلك أمته السنة ، فأعطانيها ، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم ، فأعطانيها ، وسأله أن لا يلبسهم شيئا ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعائه : "فحمى إذا أو طاعونا" ثلاثا ، فقد تضمن الطاعون نوعا من المؤاخذة ، لأنه -صلى الله عليه وسلم- دعا به لتحصل كفاية إذاقة بعضهم بأس بعض ، ويكون هلاكهم حينئذ بسبب لا يعصون به فحفظ الله تعالى بلد نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الطاعون المشتمل على الانتقام إكراما لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وجعل لهم الحمى المضعفة للأبدان عن إذاقة بعضهم بأس بعض ، والمطهرة لهم ، بقوله -صلى الله عليه وسلم- : "فحمى إذا" أي للموضع الذي لا يدخله الطاعون بل عصم منه ، وهو جواره الشريف .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "أو طاعونا" أي للموضع الذي لم يعصم منه وهو سائر البلاد ، هذا ما قال السيد نور الدين ، وهذا ما ظهر لي في فهم هذه الأحاديث وهو يقتضي شرف الحمى الواقعة بالمدينة ، وفضلها ، لأنها دعوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ورحمة بنا أيضا ، لأنها من لازم دعوته ولأنها جعلت في مقابلة الطاعون الذي هو رحمة لغيرهم فتكون الحمى رحمة لهم فهي غير حمى الوباء الذاهبة من المدينة ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : والحق أن المراد بالطاعون في هذه الأحاديث الذي ينشأ عن طعن الجن فيهيج به الدم في البدن ، فهذا لم يدخل المدينة قط .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية