الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( ولا خير في شراء التمر على رءوس النخل بالتمر كيلا أو مجازفة عندنا ) وقال : الشافعي يجوز شراء التمر على رءوس النخل بتمر مجذوذ على الأرض خرصا فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق وله في مقدار خمسة أوسق قولان وحجته في ذلك حديث أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة ورخص في العرايا } وهي أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق .

والدليل على أن المراد بالعراية التي رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلنا قول زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فإنه لما سئل ما عراياكم هذه قال : إن الرطب ليأتينا ولم يكن في أيدينا بعد ما نبتاعه به وعندنا فضالات من التمر فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبتاع بخرصها تمرا فنأكل مع اليابس الرطب ولأن ما على رءوس النخل لا يتأتى فيها الكيل فأقام الشرع الخرص فيها مقام الكيل للحاجة تيسيرا بخلاف ما إذا كانا موضوعين على الأرض وهذه الحاجة في القليل دون الكثير والتفاوت مع الخرص ينعدم أو يقل في القليل ويكثر في الكثير .

والفرق بين التفاوت الكثير واليسير في التبرع أصل حتى إن الزيادة تدخل في الكيلين يجعل عفوا بخلاف ما زاد على ذلك وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { التمر بالتمر كيل بكيل } وما على رءوس النخل تمر فلا يجوز بيعه بالتمر إلا كيلا بكيل وهذا الحديث عام متفق على قبوله فيترجح على الخاص المختلف [ ص: 193 ] في قبوله والعمل به ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم { عن المحاقلة والمزابنة } فالمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة والمزابنة بيع التمر على رءوس النخل بالتمر خرصا وأما العرية التي فيها الرخصة بقوله ورخص في العرايا هي العطية دون البيع قال : صلى الله عليه وسلم { للخراصين حققوا في الخرص فإن في المال العرية والوصية } والمخروص له لا يستحق التخفيف بسبب البيع بل بسبب العطا وقال : القائل شاعر الأنصار

ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الحوائج

والافتخار بالعطاء دون البيع وتفسير العرية أن يهب الرجل ثمر نخله من بستانه لرجل ثم يشق على المعري دخول المعرى له في بستانه كل يوم لكون أهله في البستان ولا يرضى من نفسه خلف الوعد والرجوع في الهبة فيعطيه مكان ذلك تمرا محدودا بالخرص ليدفع الضرر عن نفسه ولا يكون مخلفا للوعد وهذا عندنا جائز لأن الموهوب لم يصر ملكا للموهوب له ما دام متصلا بملك الواهب فما يعطيه من التمر لا يكون عوضا عنه بل هبة مبتدأة وإنما سمي ذلك بيعا مجازا لأنه في الصورة عوض يعطيه للتحرز عن خلف الوعد واتفق أن ذلك كان فيما دون خمسة أوسق فظن الراوي أن الرخصة مقصورة على هذا فنقل كما وقع عنده والقياس معنى في المسألة لأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه فلا يجوز لطريق الخرص كما لو كانا موضوعين على الأرض أو كانا على رءوس النخيل وكما في سائر المكيلات من الحنطة والشعير فإنه لو باع الشعير المتحصل بشعير مثله بطريق الخرص لم يجزئ كذلك الحنطة والشافعي لا يجوز ذلك في الحنطة لمعنيين ( أحدهما ) أن شراء الحنطة في سنبلها بالدراهم عنده لا يجوز لأنه شراء ما لم يره بخلاف الشعير فإنه ظاهر مرئي .

( والثاني ) أنه بيع مطعوم بمطعوم من جنسه لم يعرف التساوي بينهما في المعيار الشرعي

التالي السابق


الخدمات العلمية