الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وهذه فصول ( أحدها ) أن الوكيل في البيع مطلقا يبيع بالنقد والنسيئة عندنا وقال الشافعي لا يبيع إلا بالنقد لأن مطلق التوكيل بالبيع معتبر بمطلق إيجاب البيع ومطلق إيجاب البيع ينصرف إلى الثمن الحال دون النسيئة فكذلك مطلق التوكيل وهذا لأن الأجل شرط زائد على ما يتم به العقد فلا يثبت الإذن فيه إلا بالتنصيص ولكنا نقول أمره ببيع مطلق فلا يجوز إثبات التقييد فيه من غير دليل والتقييد بالثمن الحال بعدم صفة الإطلاق ولا دلالة عليه في كلامه نصا ولا عرفا فالبيع بالنسيئة معتاد بين التجار كالبيع بالنقد وربما يكون البيع بالنسيئة أقرب إلى تحصيل مقصودهما وهو الربح والدليل عليه أن المضارب والأب والوصي يملكون البيع بالنسيئة وأما مطلق إيجاب البيع فإما يحمله على النقد لتعذر اعتبار الإطلاق فإن البيع يستدعي صفة معينة في الثمن ألا ترى أنه لو بعته منك بالنقد والنسيئة لا يجوز وفي التوكيل لا يوجد مثل هذا فالتوكيل صحيح بدون تعيين أحد الوصفين حتى لو قال بعته بالنقد أو بالنسيئة يجوز ثم قيل على قول أبي حنيفة يجوز بيعه بثمن مؤجل طالت المدة أو قصرت وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز بأجل متعارف ولو أجله مدة غير متعارفة في مثل تلك السلعة لا يجوز بمنزلة البيع بالغبن الفحش عندهما وعند أبي يوسف

قال ( إن أمره بالبيع على وجه التجارة فله ) [ ص: 214 ] أن يبيعه بالنسيئة أما إذا أمره بالبيع لحاجته إلى النفقة أو إلى قضاء دينه فليس له أن يبيعه بالنسيئة ولو باعه بغبن جاز عند أبي حنيفة سواء كان الغبن يسيرا أو فاحشا وعندهما لا يجوز بيعه بغبن فاحش لأن دليل العرف يفيد مطلق التوكيل حتى يتقيد التوكيل بشراء الأضحية بأيام النحر والتوكيل بشراء الفحم زمان الشتاء والجمد بزمان الصيف فإنه إذا وكله أن يشتري له جمدا في الشتاء يكون مشتريا لنفسه وإن كان التوكيل مطلقا فصح ما ذكرنا والبيع بغبن فاحش ليس بمتعارف فالظاهر إنما يستعين بغيره فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وهو لا يعجز عن بيع ما يساوي مائة درهم بعشرة دراهم وقاسا بالوكيل بالشراء فإن شراءه بالغبن الفاحش لا ينفذ على الأمر كذلك الوكيل بالبيع لأن كل واحد منهما أمر بما هو من صنيع التجار وكذلك الأب والوصي لا يملكان بيع مال اليتيم بغبن فاحش لهذا المعنى ولأن المحاباة الفاحشة كالهبة حتى إذا حصلت من المريض تعتبر من الثلث والوكيل بالبيع لا يملك الهبة وأبو حنيفة يقول أمره بمطلق البيع وقد أتى به لأن البيع مبادلة مال بمال شرطا وقد وجد ذلك فما من جزء من المبيع إلا ويقابله جزء من الثمن ألا ترى أن المبيع لو كان دارا يجب للشفيع الشفعة في جميعه وبه يتبين أنه بيع وليس بهبة وبأن اعتبر من الثلث في حق المريض هذا لا يدل على أنه ليس ببيع وإن الوكيل لا يملكه كالبيع بغبن يسير والدليل عليه أن من حلف لا يبيع فباع بغبن فاحش يحنث ولا يحنث إلا بكمال الشرط فعرفنا أنه بيع مطلق فيصير الوكيل به ممتثلا للآمر فإنا لو قيدنا بالبيع بمثل القيمة أبطلنا حكم الإطلاق من كلامه وذلك لا يجوز من غير دليل

فأما العرف الذي قال قلنا هذا مشترك فالإنسان قد يبيع الشيء تبريا منه ولا يبالي عند ذلك بقلة الثمن وكثرته وقد يبيعه لطلب الربح فعند ذلك لا يبيعه بالغبن عادة وبالمشترك لا يبطل حكم الإطلاق ثم البيع بالغبن متعارف فالمقصود من البيع الربح وذلك لا يحصل إلا وأن يصير أحدهما مغبونا والإنسان يرغب في شراء ما يساوي عشرة بدرهم ولكن لا يجد ذلك فإما أن لا يكون متعارفا فلائم العرف لا يعارض النص والإطلاق ثابت بالنص فلا يبطل بالعرف كما في اليمين فإن العرف كما يعتبر في الوكالة يعتبر في اليمين وما ذكر من مسألة الأضحية وغيرها فهي مروية عن أبي يوسف

التالي السابق


الخدمات العلمية