الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6109 ص: ثم لو لم ينازع في طريق هذا الحديث ، وسلمت على هذه الألفاظ التي قد رويت عليها ، لكانت محتملة للتأويل الذي لا يقوم لكم بمثلها حجة معه ; وذلك أنكم إنما رويتم أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد الواحد ، ولم يبين في هذا الحديث كما كان ذلك السبب ، ولا المستحلف من هو ; فقد يجوز أن يكون ذلك على ما ذكرتم ، ويجوز أن يكون أريد به يمين المدعى عليه ، ادعى المدعي ولم يقم على دعواه إلا شاهدا واحدا ، فاستحلف له النبي -عليه السلام - المدعى عليه فروى ذلك ليعلم الناس أن المدعي لا يجب له اليمين على المدعى عليه إلا بحجة أخرى غير الدعوى

                                                [ ص: 446 ] لا يجب له اليمين إلا بها ، كما قال قوم : إن المدعي لا يجب له اليمين فيما ادعى إلا أن يقيم البينة أنه قد كانت بينه وبين المدعى عليه خلطة ولبس ; فإن أقام على ذلك بينة استحلف له ، ولا لم يستحلف . فأراد الذي روى هذا الحديث أن ينفي هذا القول ، ويثبت اليمين بالدعوى وإن لم يكن مع الدعوى غيرها ، فهذا وجه .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب آخر عن الأحاديث المذكورة بطريق التسليم ، تقريره أن يقال : سلمنا صحة هذه الأحاديث وسلامة طرقها عن ما ذكرنا ، ومجيئها على الألفاظ التي رويت عليها ، ولكنها تحتمل التأويل الذي يدفع به الاحتجاج بها ، وذلك أنكم رويتم أنه -عليه السلام - قضى باليمين مع الشاهد الواحد ، ولم يبين فيه كيفية السبب ، ولا بين الذي يستحلف من هو ; فقد يجوز أن يكون المستحلف هو المدعي كما ذهبتم إليه ، ويجوز أن يكون هو المدعى عليه إذا لم يقم المدعي إلا شاهدا واحدا ; فيكون النبي -عليه السلام - قد استحلف المدعى عليه لعدم كمال النصاب في بينة المدعي ، فروى الراوي ذلك كذلك حتى يعلم الناس أن اليمين إنما يتعين على المدعى عليه بدعوى المدعي لا بحجة أخرى من غير دعواه ، كما ذهبت إليه طائفة من أهل العلم ، وهم الشعبي والنخعي وشريح في قول ; فإنهم قالوا : لا يجب اليمين للمدعي على المدعى عليه فيما ادعاه إلا إذا أقام البينة أنه قد كانت بينهما خلطة ، فإن أقام بينة على ذلك استحلف له وإلا لا .

                                                فأراد إذا الراوي بقوله : "قضى رسول الله -عليه السلام - بيمين وشاهد " نفي هذا القول وإثبات اليمين بالدعوى ، وإن لم يكن معها غيرها . هذا ما ذكره الطحاوي ، وقد يقال يحتمل أن يراد به أن وجود الشاهد الواحد لا يمنع استحلاف المدعى عليه ، وأنه يستحلفه مع شهادة شاهد ; فأفاد أن شهادة الواحد لا تمنع استحلاف المدعى عليه ، وأن وجوده وعدمه بمنزلة .

                                                قال الجصاص -في هذا الموضع - : وقد كان يجوز أن يظن ظان أن اليمين إنما يجب على المدعى عليه إذا لم يكن للمدعي شاهد أصلا ; فأبطل الراوي بنقله لهذه القضية ظن الظان بذلك .




                                                الخدمات العلمية