الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6179 ص: فقال أهل المقالة الأولى : فقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه بألفاظ غير ألفاظ الحديث الأول ، فذكروا ما حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن : "أن رسول الله -عليه السلام - قضى بالسلعة يبتاعها الرجل فيفلس وهي عنده بعينها ، ولم يقبض البائع من ثمنها شيئا أن ترد إلى صاحبها ، فإن كان صاحبها قد قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء ، قال أبو بكر : وقضى رسول الله -عليه السلام - أنه من توفي وعنده سلعة رجل بعينه لم يقبض من ثمنها شيئا ; فصاحب السلعة أسوة الغرماء " .

                                                قالوا : فقد بان بهذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام - إنما أراد في الحديث الأول الباعة لا غيرهم .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا منع من جهة أهل المقالة الأولى لما قاله أهل المقالة الثانية من التأويل المذكور في حديث أبي هريرة ، وذلك أنهم قالوا : إن حديث أبي هريرة محمول على الودائع والعواري والغصوب ونحوها ، وجه المنع أن يقال : إن ما ذكرتم من ذلك يبطله ما روي عنه -عليه السلام - : "أنه قضى بالسلعة يبتاعها الرجل . . . " الحديث فإنه قد بين أن المراد في حديث أبي هريرة هو الباعة لا غيرهم ، وهو جمع بائع ، كالجاكة جمع جائك .

                                                وهو ما أخرجه بإسناد مرسل : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني ، أحد الفقهاء السبعة ، قيل اسمه محمد ، والصحيح أن اسمه وكنيته سواء .

                                                [ ص: 550 ] وأخرجه البيهقي في "سننه " وفي "الخلافيات " : أنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن الحسن العدل ، أنا أبو بكر بن جعفر ، نا محمد بن إبراهيم ، نا بكير ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : "أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ، ولم يقبض الذي باعه منه شيئا فوجده بعينه ، فهو أحق به من غيره ، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء " .

                                                وقال ابن حزم : وأما من فرق بين الموت والحياة وبين أن يدفع من الثمن شيئا أو لا يدفع منه شيئا فإنهم احتجوا بآثار مرسلة ، منها طريق مالك ويونس بن عبيد ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، أن رسول الله -عليه السلام - .

                                                وعن عمر بن عبد العزيز ، أن رسول الله -عليه السلام - .

                                                وإسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة ، أن رسول الله -عليه السلام - .

                                                ومسند من طريق إسماعيل بن عياش وبقية ، كلاهما عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله -عليه السلام-[ وبقية وإسماعيل ضعيفان .

                                                وآخر من طريق إسحاق بن إبراهيم بن جوتي عن عبد الرزاق ، عن مالك عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله -عليه السلام-] قال : "أيما رجل باع رجلا متاعا ، فأفلس المبتاع ولم يقبض الذي باع من الثمن شيئا ، فإن وجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها ، وإن مات المشتري فهو أسوة الغرماء " فإن إسحاق بن إبراهيم بن جوتي مجهول وهذا غير معروف من حديث مالك .

                                                وخبر آخر من طريق عبد الرزاق ، عن وكيع ، عن هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام - مثل حديث الزهري ،

                                                [ ص: 551 ] هكذا لم يذكر متنه ولا لفظه ، ثم هو منقطع ، لأن قتادة لم يسمعه من بشير بن نهيك إنما سمعه من النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، هكذا رويناه من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة والدستوائي كلهم عن قتادة ، مثل قولنا .

                                                ثم لو صحت هذه الآثار لكانت مخالفة لقول مالك والشافعي ; لأن في جميعها الفرق بين الموت والحياة ، والشافعي لا يفرق بينهما ، وفي جميعها الفرق بين أن يكون قبض من الثمن شيئا وبين أن لا يكون قبض ، ومالك لا يفرق بينهما ; فحصل قولهما مخالفا لكل الآثار .




                                                الخدمات العلمية