الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
23250 10112 - (23762) - (5\447) عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما كهرني ولا شتمني ولا ضربني قال: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا قوم حديث عهد بالجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا قوما يأتون الكهان قال: " فلا تأتوهم " قلت: إن منا قوما يتطيرون قال: " ذاك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدنهم " قلت: إن منا قوما يخطون قال: " كان نبي يخط، فمن وافق خطه فذلك " قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي في قبل أحد والجوانية، فاطلعتها ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: [ ص: 43 ] يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: " ائتني بها " فأتيته بها فقال لها: " أين الله؟ " فقالت: في السماء، قال: " من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، قال: " أعتقها، فإنها مؤمنة " وقال مرة: " هي مؤمنة، فأعتقها ".

التالي السابق


* قوله: "إذ عطس": من باب ضرب ونصر.

* "واثكل": - بضم ثاء وسكون كاف وبفتحهما - : هو فقد الأم الولد.

* "أمياه": - بكسر الميم - أصله: أمي، زيدت عليه الألف لمد الصوت، وهاء السكت.

* "يصمتوني": من التصميت، وهو التسكيت.

* "لكني سكت": متعلق بمقدر، مثل: أردت أن أخاصمهم، وهو جواب لما.

* "فبأبي هو": أي: هو مفدى بهما، والجملة معترضة.

* "ما كهرني": أي: ما انتهرني، ولا أغلظ لي في القول.

* "من كلام الناس": أي: ما يجري في مخاطباتهم ومحاوراتهم.

* "الكهان": كالحكام.

* "فلا تأتوهم": لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة، فيخاف الفتنة على الإنسان بذلك، ولأنهم يلبسون على الناس كثيرا من الشرائع، وإتيانهم حرام بإجماع المسلمين كما ذكروا.

* "يجدونه في صدورهم": ليس له أصل يستند إليه.

* "يخطون": خطهم معروف بينهم.

* "فمن وافق خطه": يحتمل - الرفع - والمفعول محذوف، والنصب - والفاعل ضمير "وافق" بحذف المضاف؛ أي: وافق خطه خط النبي.

[ ص: 44 ]

* "فذاك": أي: فخطه مباح، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك، فلا يباح، أو فذاك الذي تجدون إصابته فيما يقول، لا أنه أباح ذلك لفاعله.

قال النووي: قد اتفقوا على النهي عنه الآن.

* "والجوانيه": - بفتح جيم وتشديد واو وياء، وحكي تخفيف الياء - : موضع بقرب أحد.

* "فاطلعتها": - بتشديد الطاء - .

* "آسف": - بالمد وفتح السين - أي: أغضب.

* "لكني صككتها": أي: أردت أن أعاقبها أشد العقوبة، أو: فما صبرت، لكني صككتها؛ أي: لطمتها.

* "فعطم": - بالتشديد - .

* "أفلا أعتقها؟": عن بعض الكفارات الذي شرط فيه إسلام الرقبة.

* "أين الله؟": قيل: أي: في أي جهة يتوجه المتوجهون إليه تعالى؟ فمعنى "في السماء". أي: في جهة السماء يتوجهون، والمطلوب: معرفة أن تعترف بوجوده - سبحانه وتعالى - لا إثبات الجهة، وقيل: التفويض أسلم، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية