الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 558 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل في وفاة الملك المنصور عز الدين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك ونائب دمشق لعمه الملك صلاح الدين ، وهو والد الملك الأمجد بهرام شاه صاحب بعلبك أيضا بعد أبيه ، وإليه تنسب المدرسة الفروخشاهية بالشرق الشمالي ، وإلى جانبها التربة الأمجدية لولده ، وهما وقف على الحنفية والشافعية ، وقد كان فروخشاه شهما شجاعا بطلا عاقلا ذكيا فاضلا كريما ممدحا ، امتدحه الشعراء لجوده وفضله وإحسانه ، وكان من أكبر أصحاب الشيخ تاج الدين أبي اليمن الكندي ، عرفه من مجلس القاضي الفاضل له ، وللعماد الكاتب فيه مدائح بدائع ، وله هو ، رحمه الله ، شعر رائق لطيف ، من ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنا في أسر السقام من هوى هذا الغلام     رشأ ترشق عينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ه فؤادي بسهام     كلما أرشفني فا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ه على حر الأوام     ذقت منه الشهد في الثل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ج المصفى في المدام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان ابنه الملك الأمجد شاعرا جيدا أيضا ، وقد ولاه عم أبيه صلاح الدين بعلبك بعد أبيه ، واستمر فيها مدة طويلة ، ومن محاسن المنصور عز الدين فروخشاه صحبته لتاج الدين الكندي ، وله في الكندي مدائح ، وقد أورد الشيخ شهاب الدين ذلك كله مستقصى في " الروضتين " ; ومن ذلك أنه دخل يوما [ ص: 559 ] إلى الحمام فرأى رجلا كان يعرفه من أصحاب الأموال ، وقد نزل به الحال حتى إنه تستر ببعض يديه حتى لا يبدو جسمه ، فرق له وأمر غلامه أن ينقل بقجة وبساطا إلى موضع الرجل ، وأحضر به بغلة وألف دينار وتوقيعا له في كل شهر بعشرين دينارا ، فدخل الرجل من أفقر الناس ، وخرج وهو من أغنى الناس ، فرحمة الله على الأجواد الأكياس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية