الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولاية قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي قضاء مصر بعد عزل عز الدين بن جماعة نفسه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورد الخبر مع البريد من الديار المصرية بأن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة - عزل نفسه عن القضاء يوم الاثنين السادس عشر من هذا الشهر ، وصمم على ذلك ، فبعث الأمير الكبير يلبغا إليه الأمراء يسترضونه فلم يقبل ، فركب إليه بنفسه ، ومعه القضاة والأعيان ، [ ص: 698 ] فتلطفوا به فلم يقبل ، وصمم على الانعزال ، فقال له الأمير الكبير : فعين لنا من يصلح بعدك . قال : ولا أقول لكم شيئا غير أنه لا يتولى رجل واحد ، ثم ولوا من شئتم . فأخبرني قاضي القضاة تاج الدين السبكي أنه قال : لا تولوا ابن عقيل . فعين الأمير الكبير قاضي القضاة بهاء الدين أبا البقاء ، فقيل : إنه أظهر الامتناع ، ثم قبل ولبس الخلعة . وباشر يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادى الآخرة ، وتولى قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي قضاء العساكر الذي كان بيد أبي البقاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين سابع رجب توفي الشيخ علي المراوحي البغدادي خادم الشيخ أسد المراوحي البغدادي ، وكان فيه مروءة كبيرة ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويدخل على النواب ، ويرسل إلى الولاة فتقبل رسالته ، وله قبول عند الناس ، وفيه بر ، وصدقة ، وإحسان إلى المحاويج ، وبيده مال جيد يتجر له فيه ، تعلل مدة طويله ، ثم كانت وفاته في هذا اليوم ، فصلي عليه الظهر بالجامع ثم حمل إلى سفح قاسيون ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صبيحة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب الشام فنزل بداره عند مئذنة فيروز ، وذهب الناس للسلام عليه بعد ما سلم على نائب السلطنة بدار السعادة ، وقد رسم له بطبلخانتين وتقدمة ألف ، وولاية الولاة من غزة إلى أقصى بلاد الشام ، [ ص: 699 ] وأكرمه ملك الأمراء إكراما زائدا ، وفرحت العامة بذلك فرحا شديدا بعوده إلى الولاية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وختمت البخاريات بالجامع الأموي وغيره في عدة أماكن; من ذلك ستة مواعيد تقرأ على الشيخ عماد الدين بن كثير في اليوم ، أولها بمسجد ابن هشام بكرة قبل طلوع الشمس ، ثم تحت النسر ، ثم بالمدرسة النورية ، وبعد الظهر بجامع تنكز ، ثم بالمدرسة العزية ، ثم بالكوشك لأم الزوجة الست أسماء بنت الوزير ابن السلعوس إلى أذان العصر ، ثم من بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير علي بمحلة القصاعين إلى قريب الغروب ، ويقرأ " صحيح مسلم " بمحراب الحنابلة داخل باب الزيارة بعد قبة النسر وقبل النورية ، والله المسئول ، وهو المعين الميسر المسهل . وقد قرئ في هذه السنة في عدة أماكن أخر من دور الأمراء وغيرهم ، ولم يعهد مثل هذا في السنين الماضية ، فلله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الثلاثاء عاشر شوال توفي الشيخ نور الدين علي بن الصارم بن إبراهيم بن أبي الهيجاء الكركي الشوبكي ثم الدمشقي الشافعي ، كان معنا في المقرأ والكتاب ، وختمت أنا وهو في سنة إحدى عشرة ، ونشأ في صيانة ، وعفاف ، وقرأ على الشيخ بدر الدين بن سيحان للسبع ، ولم يكمل عليه ختمة ، واشتغل في " المنهاج " للنواوي ، فقرأ كثيرا منه أو أكثره ، وكان ينقل منه ويستحضر ، وكان خفيف الروح تحبه الناس لذلك ، ويرغبون في عشرته لذلك ، [ ص: 700 ] رحمه الله ، وكان يستحضر المتشابه في القرآن استحضارا حسنا متقنا ، كثير التلاوة له ، حسن الصلاة ، يقوم الليل ، وقرأ علي " صحيح البخاري " بمشهد ابن هشام عدة سنين ، ومهر فيه ، وكان صوته جهوريا فصيح العبارة ، ثم ولي مشيخة الحلبية بالجامع ، وقرأ في عدة كراس بالحائط الشمالي ، وكان مقبولا عند الخاصة والعامة ، وكان يداوم على قيام العشر الأخير في محراب الصحابة مع عدة قراء ، يتناوبون فيه ، ويحيون الليل ، ولما كان في هذه السنة أحيا ليلة العيد وحده بالمحراب المذكور ، ثم مرض خمسة أيام ، ثم مات بعد الظهر يوم الثلاثاء عاشر شوال بدرب العميد ، وصلي عليه العصر بالجامع الأموي ، ودفن بمقابر الباب الصغير عند والده في تربة لهم ، وكانت جنازته حافلة ، وتأسف الناس عليه ، رحمه الله ، وبل بالرحمة ثراه ، وقد قارب خمسا وستين سنة ، وترك بنتا سباعية اسمها عائشة ، وقد أقرأها شيئا من القرآن إلى " تبارك " ، وحفظها " الأربعين النواوية " ، جبرها ربها ورحم أباها ، آمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج المحمل الشامي والحجيج يوم الخميس ثاني عشره ، وأميرهم الأمير علاء الدين علي بن علم الدين الهلالي أحد أمراء الطبلخاناه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتوفي الشيخ عبد الله الملطي يوم السبت رابع عشره ، وكان مشهورا [ ص: 701 ] بالمجاورة بالكلاسة في الجامع الأموي ، له أشياء كثيرة من الطراريح والآلات الفقيرية ، ويلبس على طريقة الحريرية ، وشكله مزعج ، ومن الناس من كان يعتقد فيه الصلاح ، وكنت ممن يكرهه طبعا وشرعا أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة قدم البريد من ناحية المشرق ، ومعهم قماقم ماء من عين هناك من خاصيته أنه يتبعه طير يسمى السمرمر ، أصفر الريش ، قريب من شكل الخطاف ، من شأنه إذا قدم الجراد إلى البلد الذي هو فيه أنه يفنيه ، ويأكله أكلا سريعا ، فلا يلبث الجراد إلا قليلا حتى يرحل أو يؤكل على ما ذكر ، ولم أشاهد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي المنتصف من ذي الحجة كمل بناء القيسارية التي كانت معملا بالقرب من دار الحجارة قبلي سوق الدهشة الذي للرجال ، وفتحت وأكريت دهشة لقماش النساء ، وذلك كله بمرسوم ملك الأمراء ناظر الجامع المعمور ، رحمه الله ، وأخبرني الصدر عز الدين السيرجي المشارف بالجامع أنه غرم عليها من مال الجامع قريب ثلاثين ألف درهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية