الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالث- أنه لو نقل واحد في هذا الباب شيئا من الإسرائيليات عن المتقدمين لم تقم به حجة إن لم يكن ذلك ثابتا بنقل نبينا صلى الله عليه وسلم عنهم. وأما ما يذكره لنا أهل الكتابين ومن أسلم منهم عن الأنبياء المتقدمين فليس لنا تصديقه ولا تكذيبه إن لم يكن فيما علمناه ما يدل على صدقه أو كذبه، كما في صحيح البخاري عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله [ ص: 460 ] وما أنزل إلينا الآية [البقرة: 136 ] وفي سنن أبي داود عن ابن أبي نملة الأنصاري عن أبيه أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من اليهود مر بجنازة، فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "الله أعلم" قال اليهودي: إنها تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلا [ ص: 461 ] لم تصدقوه، وإن كان حقا لم تكذبوه" وروى البخاري أيضا عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس قال: "كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسوله أحدث الكتب عهدا بالرحمن، تقرؤونه محضا لم يشب، وقد أخبركم ربكم أن أهل الكتاب بدلوا كلام الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ألا نهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل [ ص: 462 ] عليكم". وروى البخاري أيضا، عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار فقال: "إن كان من أصدق [ ص: 463 ] هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب".

فإذا كان أهل الكتاب الذي أنزله الله تعالى، والذي وجب علينا أن نؤمن بما فيه -ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم ) وقال: "قولوا آمنا بالله ورسله" - إذا رووا لنا شيئا من ذلك لم نصدقه إن لم نعلم من غير ذلك الوجه أنهم صادقون، وهم يقرؤون ذلك بلسان الأنبياء ثم يترجمونه لنا بالعربية.

فهؤلاء الذين قرؤوا كتب الصابئة من الفلاسفة وغيرهم بلغتهم اليونانية وغيرها، ثم ترجموها بالعربية كيف نقبل ذلك منهم، والمنقول عنهم ليسوا أنبياء ولا ممن يصدقون لو [ ص: 464 ] شافهونا، [و ] لو كانـ [ـوا ] من علماء أهل الكتابين لم يقبل ما يقولونه فكيف وهم من الصابئة المبدلين المتكلمين في العلم الإلهي بما يخالف ما جاءت به الرسل عليهم السلام؟ ! وهم أشد تبديلا وتغييرا من أهل الكتابين بشيء كثير، فكيف في كلام مرسل لم يوجد في كتبهم، وإنما نقل عنهم نقلا مطلقا.

التالي السابق


الخدمات العلمية