الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال : أنت طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله تعالى جاز الاستثناء في قولهم جميعا ; لأن الكلام الثاني ههنا ليس بلغو ; لأنه جملة يتعلق بها حكم فلم يصر فاصلا بخلاف الفصل الأول ، ولو جمع بين جملتين بحرف الواو ثم قال في آخرهما إن شاء الله تعالى بأن قال : امرأته طالق طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى انصرف الاستثناء إلى الجملتين جميعا حتى لا يقع الطلاق ، والعتاق بالاتفاق .

                                                                                                                                وكذا إذا ذكر الشرط في آخر الجملتين بأن قال : إن دخلت الدار أو إن كلمت فلانا .

                                                                                                                                ولو قال لزيد علي ألف درهم ولعمرو علي ألف درهم إلا خمسمائة انصرف الاستثناء إلى الجملة الأخيرة عند عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال بعضهم : ينصرف إلى جميع ما تقدم من الجمل ، وبه أخذ الشافعي ، وعلى هذا الأصل بنوا مسألة المحدود في القذف إذا تاب وشهد ; لأن قوله { إلا الذين تابوا } منصرف إلى ما يليه عندنا ، وعندهم إلى جميع ما تقدم .

                                                                                                                                وجه قول هؤلاء أن واو العطف إذا دخل بين الكلامين يجعلهما كلاما واحدا كما في قول القائل جاءني زيد ، وعمرو معناه جاءاني ، وكما إذا قال : امرأته طالق ، وعبده حر إن شاء الله تعالى ، أو قال : إن دخلت الدار أنه يتعلق الأمران جميعا بالشرط ، وإن كان كل واحد منهما جملة تامة لكن لما دخل بينهما واو العطف جعل كلاما واحدا ، وتعلقا جميعا بالشرط كذا هذا ، ولهذا إذا كان المعطوف ناقصا شارك الأول في حكمه وجعل الكل كلاما واحدا بأن قال : لامرأته أنت طالق ، وفلانة حتى يقع الطلاق عليهما كذا هذا ، ولنا أن الأصل في الاستثناء أن ينصرف إلى ما يليه ; لأنه أقرب إليه ، ومتصل به ; ولأنه ليس بكلام مفيد بنفسه مستقل بذاته ، فلا بد من ربطه بغيره ليصير مفيدا ، وهذه الضرورة تندفع بالصرف إلى ما يليه ، فانصرف إلى غيره من الجمل المتقدمة بدخول حرف العطف بين الجملتين فيجعلهما كلاما واحدا وجملة واحدة ، وإنما يجعل كلاما واحدا والجملتان جملة واحدة بواو العطف إذا كانت إحدى الجملتين ناقصة بحيث لو فصلت عن الجملة الأخرى لا تكون مفيدة ، .

                                                                                                                                فأما إذا كانت كاملة بحيث لو فصلت عن الأخرى كانت مفيدة ، فلا يجعلان كلاما واحدا ; لأن الجعل للعطف الموجب للشركة والشركة ثابتة بدون حروف الواو فكان الوصل والإشراك بحرف الواو ، وعدمه سواء ; ولأن جعل الكلامين كلاما واحدا خلاف الحقيقة ، فلا يصار إليه إلا لضرورة - وهي أن تكون إحدى الجملتين ناقصة إما صورة أو معنى - كما في قول القائل جاءني زيد ، وعمرو فإن الجملة الثانية ناقصة ; لأنها مبتدأ لا خبر له فجعلت كاملة بالإشراك بحرف الواو كما في قول الرجل لامرأتيه : زينب طالق ، وعمرة لما قلنا ، أو تكون ناقصة معنى في حق حصول غرض المتكلم ، كما في قوله امرأته طالق ، وعبده حر إن شاء الله تعالى أو إن دخلت الدار فإن هناك إحدى الجملتين ناقصة في حق حصول غرض الحالف ; لأن غرضه أن يجعلهما جميعا جزاء واحدا للشرط ، وإن كان كل واحد في نفسه يصلح جزاء تاما ، وهذا الغرض لا يحصل إلا بالإشراك والوصل فيكون أحدهما بعض الجزاء فكانت جملة ناقصة في المعنى - ، وهو تحصيل غرضه - فيجعل كأنه ناقص في أصل الإفادة ، ومثل هذه الضرورة لم توجد ههنا فبقيت كل جملة منفردة بحكمها ، وإن كانت معطوفة بحرف الواو كما لو قال جاءني زيد ، وذهب عمرو فإن هذا [ ص: 159 ] عطف جملة على جملة بحرف الواو ، ولم تثبت الشركة بينهما في الخبر لما قلنا كذا هذا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية