الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4769 [ 2563 ] وعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: قد مات لي ابنان ، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم ، صغارهم دعاميص الجنة ، فيلقى أحدهم أباه ، أو قال : أبويه ، فيأخذ بثوبه . أو قال : بيده ، كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا ، فلا يتناهى ، أو قال : فلا ينتهي ، حتى يدخله الله وأبويه الجنة.

                                                                                              رواه مسلم (2635).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " صغارهم دعاميص الجنة ") هي جمع دعموص ، وهو دويبة تغوص في الماء ، والجمع دعاميص ، ودعامص . قال الأعشى :


                                                                                              فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

                                                                                              ودعيميص الرمل : اسم رجل كان داهيا ، يضرب به المثل ؛ يقال : هو دعيميص هذا الأمر ؛ أي : عالم به .

                                                                                              قلت : هذا الذي وجدته في كتب اللغة ، وأصحاب الغريب : أن الدعموص دويبة تغوص في الماء ، ولا يليق هذا المعنى بالدعاميص المذكورين في هذا الحديث ؛ إلا على معنى تشبيه صغار الجنة بتلك الدويبة في صغرها ، أو في غوصهم في نعيم الجنة ، وكل ذلك فيه بعد . وقد سمعت من بعض من لقيته : أن الدعموص يراد به الآذن على الملك ، المتصرف بين يديه . وأنشد لأمية بن أبي الصلت :


                                                                                              دعموص أبواب الملو ك وجائب للخرق فاتح

                                                                                              قلت : وهذا يناسب ما ذكره في هذا الحديث .

                                                                                              و (قوله : كما آخذ أنا بصنفة ثوبك ) هو بكسر النون . قال الجوهري : صنفة الإزار - بكسر النون - : طرته ، وهو جانبه الذي لا هدب له ، ويقال : هي حاشية [ ص: 642 ] الثوب أي جانب كان ، وقال غيره : صنفة الثوب وصنيفته : طرفه .

                                                                                              و (قوله : فلا يتناهى ، أو قال : ينتهي حتى يدخله الله وأبويه الجنة ) أي : ما يترك ذلك . يقال : انتهى وتناهى وأنهى ، بمعنى ترك ، وهكذا الرواية المشهورة : " أبويه " بالتثنية . وعند ابن ماهان : " أباه " بالباء بواحدة . وعند عبد الغافر : " وإياه " بالياء من تحتها ، وكل له وجه واضح .

                                                                                              وفي هذا الحديث ما يدل على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وهو الذي تدل عليه أخبار صحيحة كثيرة ، وظاهر قوله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم [الطور: 21] وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم ، وهذا فيما عدا أولاد الأنبياء ، فإنه قد تقرر الإجماع على أنهم في الجنة ، حكاه أبو عبد الله المازري ، وإنما الخلاف في أولاد المشركين على ما يأتي إن شاء الله تعالى .




                                                                                              الخدمات العلمية