الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الفرع الثاني عشر أجمع العلماء على أن المظاهر إن لم يستطع الصوم انتقل إلى الإطعام ، وهو إطعام ستين مسكينا ، وقد نص الله تعالى على ذلك بقوله : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا [ 58 \ 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الأسباب المؤدية إلى العجز عن الصوم الهرم وشدة الشبق ، وهو شهوة الجماع التي لا يستطيع صاحبها الصبر عنه ، ومما يدل على أن الهرم من الأسباب المؤدية للعجز عن الصوم ، ما جاء في قصة أوس بن الصامت الذي نزلت في ظهاره من امرأته آية الظهار ، ففي القصة من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة التي ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت ، ونزل في ذلك قوله تعالى : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الآيات [ 58 \ 1 ] ، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يعتق رقبة " يعني زوجها أوسا قالت : لا يجد ، قال : " يصوم شهرين متتابعين " ، قالت : يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام ، قال : " فليطعم ستين مسكينا " الحديث ، ومحل الشاهد منه أنها لما قالت له : إنه شيخ كبير اقتنع - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك عذر في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام ، فدل على أنه سبب من أسباب العجز عنه ، والحديث وإن تكلم فيه ، فإنه لا يقل بشواهده عن درجة الاحتجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 225 ] وأما الدليل على أن شدة الشبق عذر ، كذلك هو ما جاء في حديث سلمة بن صخر الذي تكلمنا عليه سابقا في هذا المبحث ، أنه قال : كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري ، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار ، الحديث . وفيه قال : " فصم شهرين متتابعين " ، قال : قلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم ؟ قال : " فتصدق " . ومحل الشاهد منه أنه لما قال له : " صم شهرين " ، أخبره أن جماعه في زمن الظهار إنما جاءه من عدم صبره عن الجماع ; لأنه ظاهر من امرأته خوفا من أن تغلبه الشهوة ، فيجامع في النهار ، فلما ظاهر غلبته الشهوة فجامع في زمن الظهار ، فاقتنع - صلى الله عليه وسلم - بعذره ، وأباح له الانتقال إلى الإطعام ، وهذا ظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن قدامة في " المغني " : بعد أن ذكر أن الهرم والشبق كلاهما من الأسباب المؤدية للعجز عن الصوم ، للدليل الذي ذكرنا آنفا ، وقسنا عليهما ما يشبههما في معناهما .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية