الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1341 - مسألة : فإن أراد العامل الخروج قبل أن ينتفع فيما غرس بشيء ، وقبل أن تنمى له فله ذلك ، ويأخذ كل ما غرس .

                                                                                                                                                                                          وكذلك إن أخرجه صاحب الأرض ; لأنه لم ينتفع بشيء ، فإن لم يخرج حتى انتفع ونما ما غرس فليس له إلا ما تعاقدا عليه ; لأنه قد انتفع بالأرض فعليه حقها ، وحقها هو ما تعاقدا عليه .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : هو ما ذكرناه في أول كلامنا في " المزارعة " من إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود على أن يعملوها بأنفسهم وأموالهم ولهم نصف ما يخرج منها من زرع أو ثمر ونصف ما يخرج منها ، هكذا مطلقا . [ ص: 65 ]

                                                                                                                                                                                          وكذلك روينا من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال { أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر لليهود على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشيء } .

                                                                                                                                                                                          وهذا عموم لكل ما خرج منها بعمله من شجر أو زرع أو ثمر ، وكل ذلك داخل تحت العمل بأنفسهم وأموالهم ولا فرق بين غرس أو زرع أو عمارة شجر - وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          وبالضرورة يدري كل ذي تمييز أن خيبر وفيها نحو ألفي عامل ويصاب فيها نحو ثمانين ألف وسق تمر وبقيت بأيديهم أزيد من خمسة عشر عاما : أربعة أعوام من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعامين ونصف عام مدة أبي بكر ، وعشرة أعوام من خلافة عمر رضي الله عنهما حتى أجلاهم في آخر عام من خلافته ، فلا بد أن فيهم من غرس فيما بيده من الأرض فكان بينهم وبين أصحاب الأصول من المسلمين بلا شك .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : المغارسة : هو أن يعطى الأرض البيضاء ليغرسها من ماله ما رأى حتى يبلغ شبابا ما ، ثم له ما تعاقدا من رقبة الأرض ، ومن رقاب ما غرس .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا لا يجوز أصلا ; لأنه إجارة مجهولة لا يدرى في كم يبلغ ذلك الشباب ، ولعلها لا تبلغه ، ولا يدرى ما غرس ولا عدده ، وأعجب شيء قوله " حتى يبلغ شبابا ما " والغروس تختلف في ذلك اختلافا شديدا متباينا ، لا ينضبط ألبتة ، فقد يشب بعض ما غرس ويبطل البعض ، ويتأخر شباب البعض ، فهذا أمر لا ينحصر أبدا فيما يغرس ، ولعله لا يغرس له إلا شجرة واحدة أو اثنتين ، فيكلف لذلك استحقاق نصف أرض عظيمة فهو بيع غرر بثمن مجهول ، وبيع وإجارة معا ، وأكل مال بالباطل ، وإجارة مجهولة ، وشرط ليس في كتاب الله تعالى ، فهو باطل قد جمع هذا القول كل بلاء ، وما نعلم أحدا قاله قبله ، ولا لهذا القول حجة لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول صاحب ، ولا تابع نعلمه ، ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه ، وما كان هكذا لم يجز القول به - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية