الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن فات البيان من جهة القافة لعدمهم ، أو لإشكال الشبه عليهم فإن كان إقراره بالوطء في غير ملكه فهي على الرق ، ولا يثبت نسب واحد منهم لفوات بيانه لكن يقرع بينهم تمييزا لحرية أحدهم . فإذا أقرع أحدهم عتق وحده ورق الآخران وهذا مما لم يختلف فيه المزني وسائر أصحابنا .

                                                                                                                                            وإن كان إقراره بالوطء في ملكه ففي ثبوت نسب الأصغر وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يثبت نسبه إذا قيل إن ثبوت نسب أحد الثلاثة ببيان المقر ، أو القافة يوجب ثبوت نسب أحد الثلاثة من دونه ؛ لأن الأصغر على هذا الوجه ثابت النسب في الأحوال كلها ؛ لأنه إن كان الأكبر هو الابن تبعه الأوسط ، والأصغر وإن كان الأوسط هو الابن تبعه الأصغر ، وإن كان الأصغر ، ثبت نسبه وحده وصار الأصغر في الأحوال كلها ولدا ثابت النسب وارثا . قال أبو العباس بن سريج : وهذا مذهب المزني وإنما حذفه الكاتب من كلامه .

                                                                                                                                            فعلى هذا تسقط القرعة بين الآخرين ويرقان .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن نسب الأصغر لا يثبت إذا قيل إن ثبوت نسب أحدهم لا يوجب ثبوت نسب من سواه ، فعلى هذا : هل يعتق الأصغر أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يعتق إذا قيل : إن ثبوت نسب أحدهم يجعل من دونه ولد أم ولد ، فعلى هذا تسقط القرعة بين الأخوين ويرقان .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا يعتق إذا قيل : إن ثبوت نسب أحدهم لا يجعل من دونه ولد أم ولد ، فعلى هذا يقرع بين الثلاثة فيعتق أحدهم بالقرعة تمييزا للحرية فإذا أقرع أحدهم عتق وحده ورق ما سواه ، والأم حرة في الأحوال كلها ؛ لأنها أم ولد بأحد الثلاثة ، ولا يرث من عتق بالقرعة ؛ لأن نسبه لم يثبت .

                                                                                                                                            فأما ميراث المقر فالمسألة مصورة : أن المقر ترك مع الثلاثة ابنا معروفا فهل يوقف من التركة شيء أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يوقف وهو مذهب المزني وطائفة من أصحابنا لما ذكره المزني من أنه ليس جهلنا بأيهم الابن جهلا بأن فيهم ابنا كمن طلق ثلاثا من نسائه وقف ميراث زوجة ، ولا يكون جهلنا بأيهم الزوجة جهلا بأن فيهم زوجة وتأولوا قول الشافعي : " ولا ميراث " يعني لمن عتق بالقرعة لا أنه أراد ترك وقفه .

                                                                                                                                            [ ص: 111 ] والوجه الثاني : أنه لا يوقف من التركة شيء لفوات البيان بما يستدرك به من المقر في حياته ومن القافة من بعده ، ولا يكون علمنا بأن فيهم ابنا موجبا لوقف ميراثه عند فوات البيان كالعربي إذا مات مجهول العصبة لا يوقف ميراثه إذا مات وإن علمنا أن له في العرب عصبة وكان الجهل بأقرب عصبته مسقطا لحكم عصبته ، ولأنه لو جاز أن يوقف بعض التركة ؛ لأن في الثلاثة ابنا لجاز أن يوقف من ميراث من مات من الثلاثة ؛ لأن فيهم ابنا ؛ لأن من كان وارثا كان موروثا ، فأما وقف ميراث الزوجة المجهولة من الأربع فواجب ، والفرق بينهما : أننا في الزوجات على يقين من ثبوت الزوجة ووقف الميراث لهن ، ولسنا على يقين من ثبوت النسب فلم يقف الميراث بينهم .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذان الوجهان فإن قلنا بسقوط الوقف وتعجيل القسمة نظر فإن حكم بثبوت نسب الأصغر في أحد الوجهين فالتركة بينه وبين الابن المعروف وإن لم يحكم بثبوت نسبه كانت التركة كلها للابن المعروف .

                                                                                                                                            وإن قلنا يوقف الميراث ، وقف نصف التركة وكان نصفهـا للابن المعروف إن لم يحكم بثبوت نسب الأصغر . فإن حكم بثبوت نسبه كان بينهما .

                                                                                                                                            وهكذا وقف الميراث فيما تقدم من ولد إحدى الاثنتين على ما ذكرنا من هذين الوجهين ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية