الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو حيان : الوقف على ( مولاه ) ، وتكون الولاية خاصة بالله ، ويكون ( جبريل ) مبتدأ وما بعده عطف عليه ، ( وظهير ) خبر ، وعليه يكون جبريل ذكر مرتين بالخصوص أولا وبالعموم ثانيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : الوقف على ( جبريل ) معطوفا على لفظ الجلالة في الولاية ، ثم ابتدئ بصالح المؤمنين وعطف عليهم الملائكة ، ويدخل فيهم جبريل ضمنا . اهـ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 221 ] فعلى الوقف الأول يكون درج صالح المؤمنين بين جبريل وبين الملائكة تنبيها على علو منزلة صالح المؤمنين ، وبيان منزلتهم من عموم الملائكة بعد جبريل ، وعلى الوقف الثاني فيه عطف جبريل على لفظ الجلالة في الولاية بالواو ، وليس فيه ما يوهم التعارض مع الحديث في ثم إذ محل العطف هو الولاية ، وهي قدر ممكن من الخلق ومن الله تعالى كما في قوله تعالى : هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين [ 8 \ 62 ] لأن النصر يكون من الله ويكون من العباد ، من باب الأخذ بالأسباب : إلا تنصروه فقد نصره الله [ 9 \ 40 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكما في قوله تعالى : وينصرون الله ورسوله [ 59 \ 8 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : من أنصاري إلى الله [ 3 \ 52 ] ، بخلاف سياق الحديث ، فقد كان في موضوع المشيئة حينما قال الأعرابي : ما شاء الله وشئت . فقال له صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده " ; لأن حقيقة المشيئة لله تعالى وحده كما في قوله : وما تشاءون إلا أن يشاء الله [ 81 \ 29 ] ، وكقوله : بل لله الأمر جميعا [ 13 \ 31 ] ، وكقوله : لله الأمر من قبل ومن بعد [ 30 \ 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن اللطائف في قوله تعالى : وإن تظاهرا عليه إلى آخر ما سمعته من الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - أنه قال : إن المتظاهرتين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأتان فقط تآمرتا عليه فيما بينهما ، فجاء بيان الموالين له ضدهما كل من ذكر في الآية . فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة ، ما يدل على عظم كيدهن وضعف الرجال أمامهن ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : إن كيدكن عظيم [ 12 \ 28 ] ، بينما قال في كيد الشيطان : إن كيد الشيطان كان ضعيفا [ 4 \ 76 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد عبر الشاعر عن ذلك بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      ما استعظم الإله كيدهنه إلا لأنهن هن هنه



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية