الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المبحث الرابع .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو بعد هذه التوسعة وانتقال الصف الأول عن الروضة ، فهل الأفضل الصلاة في الجماعة في الصف الأول ، أم في الروضة مع تخلفه عن الأول ؟ ولتصوير هذه المسألة نقدم الآتي :

                                                                                                                                                                                                                                      أمام المصلى موضعان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما الروضة ; بفضلها روضة من رياض الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      والصف الأول : وفيه : " لو يعلمون ما الصف الأول لاستهموا عليه " ، فأي الموضعين يقدم على الآخر ؟

                                                                                                                                                                                                                                      ومعلوم أنهم كانوا قبل التوسعة يمكنهم الجمع بين الفضيلتين ، إذ الصف الأول كان في الروضة .

                                                                                                                                                                                                                                      أما الآن وبعد التوسعة فقد انفصل الصف الأول عن الروضة ، ما دام الإمام يصلي في مقدمة المسجد ، ولم أقف على تفصيل في المسألة .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن عمومات للنووي ، ولابن تيمية - على ما قدمنا في مبحث شمول المضاعفة للزيادة ، ولكن توجد قضية يمكن استنتاج الجواب منها ، وهي قبل التوسعة كان للصف الأول ميمنة وميسرة ، وكان للميمنة فضيلة على الميسرة . ومعلوم أن ميمنة الصف قبل التوسعة كانت تقع غربي المنبر ، أي : خارجة عن الروضة ، والميسرة كلها كانت في الروضة ، ومع ذلك فقد كانوا يفضلون الميمنة على الميسرة لذاتها ، عن الروضة لذاتها أيضا ، فإذا كانت الميمنة - وهي خارج الروضة - مقدمة عندهم عن الروضة ، فلأن يقدم الصف الأول من باب أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وهناك حقيقة فقهية ذكرها النووي ، وهي تقديم الوصف الذاتي على الوصف العرضي ، وهو هنا الصف الأول وصف ذاتي للجماعة . وفضل الروضة وصف عرضي للمكان . أي : لكل حال من ذكر أو صلاة فريضة أو نافلة ، فتقديم الصف الأول لكونه ذاتيا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 334 ] بالنسبة للجماعة أولى من تقديم الروضة ; لكونه وصفا عرضيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد مثل لهذه القاعدة النووي بقوله : فلو أن إنسانا في طريقه إلى الصلاة بالمسجد النبوي فوجد مسجدا آخر يصلي جماعة ، فكان بين أن يدرك الجماعة مع هؤلاء أو يتركها ويمضي إلى المسجد النبوي ، وتفوته الصلاة فيصلي منفردا بألف صلاة ، فقال : يصلي في هذا المسجد جماعة أولى له ; لأنه تحصيل الجماعة وصف ذاتي للصلاة ، وتحصيل خير من ألف صلاة وصف عرضي بسبب فضل المسجد النبوي . اهـ . ملخصا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد يقال أيضا : إن العبد مكلف بإيقاع الصلاة في جماعة أكثر منه تكليفا بإيقاعها في المسجد النبوي .

                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا الحال ; فإنا مطالبون بالصف الأول على الإطلاق حيث ما كان ، أكثر منا مطالبة بالصلاة في الروضة . والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية