الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          طعنهم في القرآن

                          وأما قولهم في القرآن أساطير الأولين كما في الآية 25 ( ص289 ج 7 ط الهيئة ) وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم " درست " كما في الآية 105 ( ص 548 منه ) فهو مما قاله بعضهم في قصص القرآن تعليلا لأنفسهم بما أملاه الخاطر ، وتبادر إلى فكر المكابر ، لا عن معرفة واطلاع كما بيناه في تفسير الآيتين - فمثلهم فيه كمثل من يستكبر من أهل البداية من كاتب أو شاعر ما يكتب أو ينظم فينسبه إلى أحد المشهورين ، ولا سيما إذا كان لذلك الكاتب أو الشاعر صلة بأحد منهم . كما كان يظن بعض الناس أن الأستاذ الإمام هو الذي يحرر المنار كله أو التفسير والفتاوى والمقالات الإصلاحية منه . ولم يجد الجاحدون شبهة على كون النبي صلى الله عليه وسلم تعلم شيئا من أحد وقد عاش ‌‌طول عمره معهم ، وليس عنده ولا عندهم أحد يعلم أخبار الرسل مع أقوامهم ، وقد احتج عليهم بذلك بأمر الله تعالى حتى ألجأت المكابرة بعضهم إلى عزو هذا التعليم إلى قين ( حداد ) رومي جاء مكة يشتغل فيها بصنع السيوف فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف عليه ليشاهد صناعته . وقد رد الله تعالى شبهتهم هذه بقوله : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ( 16 : 103 ) فإن ذلك الرومي لم يكن يعرف العربية وهذا القرآن قد بلغ ببيانه فيها حد الإعجاز . وتتمة القول في هذا تراه في تفسير الآية الثانية من الآيتين اللتين افتتحنا بهما هذه المسألة . [ ص: 249 ] فعلم مما تقدم أن الرسل رجال من البشر في جميع الشئون البشرية الفطرية ليسوا أربابا ولا شركاء لرب العباد في علم الغيب . ولا في تصرفه في تدبير أمر الخلق . فهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرا ولا نفعا ، ولا إيمانا ولا رشدا ، بل هم عبيد لله سبحانه كسائر عباده ، ولكنه أكرمهم بسلامة الفطرة واختصهم بعلم أوحاه إليهم وأمرهم أن يبلغوه لأقوامهم ليهتدي به المستعد منهم للهداية ، وتحق الكلمة على الجاحدين والمعاندين : ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) ( 8 : 42 ) . وقد بين للناس أن ما يؤيدهم به من الآيات ليس في استطاعتهم ولا من مقدورهم لأن سنة الله تعالى في قدرتهم كسنته في سائر البشر ، كما أن سنته في علمهم كذلك . فلا الوحي الذي اختصهم به من كسبهم واستنتاج عقولهم ، ولا الآيات المثبتة له من عملهم . تأمل قوله تعالى لخاتم الرسل : ( وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ) ( 35 ) وراجع تفسيرها في ( ص 318 ج 7 ط الهيئة تفسير ) .

                          وتأمل أمره إياه بأن يبين للناس أنه ليس عنده خزائن الله ولا علم الغيب وأنه ليس ملكا ، وحصر خصوصيته باتباع وحي ربه في الآية ( 50 ) التي أشرنا إليها آنفا ، وأمره في الآية التي بعدها بالإنذار ، ثم تدبر بعد هذين الأمرين ما نهاه عنه وما أمره في شأن معاملة فقراء المؤمنين السابقين وسائر المؤمنين في الآيات ( 51 - 55 ) وقارن فيها بين قوله في الآية 35 : ( فلا تكونن من الجاهلين ) وقوله في آية 52 : ( ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ) تعلم الفرق بين مقام الربوبية ومقام عبودية النبوة ، ويقابل هذا النهي عن طرد فقراء المؤمنين إجابة لاقتراح الأغنياء المتكبرين قوله تعالى في معاملة هؤلاء المشركين : ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ) ( 70 ) إلخ . وسيأتي شيء من بيان سنن الله تعالى في الرسل وأقوامهم عند الإشارة إلى ما في السورة من بيان السنن الإلهية العامة في الخلق .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية