الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الإشكالات في القصة :

                          قد أكثر المفسرون المتكلمون في هذه القصة من استخراج الإشكالات ، والجواب عنها بأنواع من التمحلات ، وهي مبنية على ما جروا عليه من أن آدم كان نبيا ورسولا ، وأن الرسل معصومون من معاصي الله تعالى ، فكيف وسوس له الشيطان فأغواه ؟ وكيف أقسم له فصدقه فيما يخالف خبر الله ؟ وكيف أطمعه في أن يكون ملكا أو خالدا فطمع وهو يستلزم إنكار البعث ؟ وإذا كان لم يصدقه فكيف أطاعه ؟ وهل الأمر له بالأكل من الجنة أمر وجوب أم إباحة ؟ وهل النهي عن الشجرة للتحريم أو الكراهة - إلخ . ما هنالك حتى زعم بعضهم أن معصيته كانت صورية . وزعم بعض الصوفية أن حقيقة هذه المسألة لا تعرف إلا بالكشف أو إلا في الآخرة . ولا يرد على ما أوردناه شيء من ذلك - فأما على جعل التأويل من باب التمثيل ، وجعل الأمر والنهي للتكوين لا للتكليف ، فالأمر ظاهر . وأما على الوجه الأول فما جليناه فيه يقربه من الوجه الآخر . وآدم لم يكن نبيا رسولا عند بدء خلقه اتفاقا ، ولا موضع للرسالة في ذلك الطور ، والظاهر من الآيات الواردة في الرسل ومن بعض الأحاديث الصحيحة أنه لم يكن رسولا مطلقا ، وأن أول الرسل نوح عليه وعليهم السلام وعصمة [ ص: 316 ] الأنبياء من كل معصية قبل النبوة لم ينقل إلا عن بعض الروافض . ولا يظهر دليل العصمة ولا حكمتها فيه ؛ إذ لم يكن هنالك أحد يخاف من سوء الأسوة عليه .

                          هذا ما ألهمه تعالى من بيان معاني هذه الآيات بما يدل عليه الأسلوب العربي مع مراعاة سنن الله تعالى في الخليقة ، وما ترشد إليه الآيات الأخرى في القصة وما يناسبها . ولم ندخل فيه شيئا من تلك الروايات المأثورة ، والآراء المشهورة ، التي لا دليل عليها من قول الله ولا قول رسوله ، ولا من سننه تعالى في خلقه ؛ إذ كل ما ورد في ذلك أو جله من الإسرائيليات التي لا يوثق بها ، وقد فتن كثير من المفسرين بنقلها ، كقصة الحية ودخول إبليس فيها وما جرى بينها وبين حواء من الحوار .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية