الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ظفر المسلمين بالهند

لما سلم شهاب الدين وعاد إلى آجرة ، وأتاه المدد من أخيه غياث الدين ، عاد الهنود فجددوا سلاحهم ، ووفروا جمعهم ، وأقاموا عوض من قتل منهم ، وسارت ملكتهم وهم معها في عدد يضيق عنه الفضاء ، فراسلها شهاب الدين يخدعها بأنه يتزوجها ، فلم تجبه إلى ذلك ، وقالت : إما الحرب ، وإما أن تسلم بلاد الهند وتعود إلى غزنة ، فأجابها إلى العود إلى غزنة ، وأنه يستأذن أخاه غياث الدين ؛ فعل ذلك مكرا وخديعة .

وكان بين العسكرين نهر ، وقد حفظ الهنود المخاضات ، فلا يقدر أحد من المسلمين [ أن ] يجوزه ، وأقاموا ينتظرون ما يكون من جواب غياث الدين بزعمهم ، فبينما هم كذلك إذ وصل إنسان هندي إلى شهاب الدين ، وأعلمه أنه يعرف مخاضا قريبا من عسكر الهنود ، وطلب أن يرسل معه جيشا يعبرهم المخاض ، ويكبسون الهنود وهم غارون غافلون ، فخاف شهاب الدين أن تكون خديعة ومكرا ، فأقام له ضمناء من أهل آجرة والمولتان ، فأرسل معه جيشا كثيفا ، وجعل عليهم الأمير الحسين بن خرميل الغوري ، وهو الذي صار بعد صاحب هراة ، وكان من الشجاعة والرأي بالمنزلة المشهورة .

[ ص: 197 ] فسار الجيش مع الهندي ، فعبروا النهر ، فلم يشعر الهنود إلا وقد خالطهم المسلمون ، ووضعوا السيف فيهم ، فاشتغل الموكلون بحفظ المخاضات ، فعبر شهاب الدين وباقي العساكر ، وأحاطوا بالهنود ، وأكثروا القتل فيهم ، ونادوا بشعار الإسلام ، فلم ينج من الهنود إلا من عجز المسلمون عن قتله وأسره ، وقتلت ملكتهم ، وتمكن شهاب الدين بعد هذه الوقعة من بلاد الهند ، وأمن معرة فسادهم ، والتزموا له بالأموال وسلموا إليه الرهائن وصالحوه وأقطع مملوكه قطب الدين أيبك مدينة دهلي ، وهي كرسي الممالك التي فتحها من الهند ، فأرسل عسكرا من الخليج مع محمد بن بختيار ، فملكوا من بلاد الهند مواضع ما وصل إليها مسلم قبله ، حتى قاربوا حدود الصين من جهة المشرق .

وقد حدثني صديق لي من التجار بوقعتين تشبهان هاتين الوقعتين المذكورتين وبينهما بعض الخلاف ، وقد ذكرناهما سنة ثمان وثمانين وخمسمائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية