الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 411 ] قال ( وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة ) لأن القسمة فيها معنى الإفراز ولهذا يجري فيها الجبر ; والشفعة ما شرعت إلا في المبادلة المطلقة قال ( وإذا اشترى دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها المشتري بخيار رؤية أو شرط أو بعيب بقضاء قاض فلا شفعة للشفيع ) لأنه فسخ من كل وجه فعاد إلى قديم ملكه والشفعة في إنشاء العقد ، ولا فرق في هذا بين القبض وعدمه ( وإن ردها بعيب بغير قضاء أو تقايلا البيع فللشفيع الشفعة ) لأنه فسخ في حقهما لولايتهما على أنفسهما وقد قصدا الفسخ وهو بيع جديد في حق ثالث لوجود حد البيع وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي والشفيع ثالث ، ومراده الرد بالعيب بعد القبض لأن قبله فسخ من الأصل وإن [ ص: 412 ] كان بغير قضاء على ما عرف ; وفي الجامع الصغير : ولا شفعة في قسمة ولا خيار رؤية ، وهو بكسر الراء ، ومعناه : لا شفعة بسبب الرد بخيار الرؤية لما بيناه ، ولا تصح الرواية بالفتح عطفا على الشفعة لأن الرواية محفوظة في كتاب القسمة أنه يثبت في القسمة خيار الرؤية وخيار الشرط لأنهما يثبتان لخلل في الرضا فيما يتعلق لزومه بالرضا ، وهذا المعنى موجود في القسمة ، والله سبحانه أعلم

التالي السابق


( قوله وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة لأن القسمة فيها معنى الإفراز ولهذا يجري فيها الجبر ; والشفعة ما شرعت إلا في المبادلة المطلقة ) قال صاحب العناية : ولأنها لو وجبت لوجبت للمقاسم لكونه جارا بعد الإفراز وهو متعذر ا هـ أقول : فيه نظر أما أولا فلأن كون المقاسم جارا بعد الإفراز لا يقتضي ثبوت حق الشفعة له لأن سبب استحقاق الشفعة إن لم يكن مقدما على زوال ملك المالك عن العقار المشفوع فلا أقل من كونه معه وقد تأخر عنه هنا حيث حصل الجوار بعد الإفراز الذي يزول به ملك كل واحد من المقتسمين عن الجزء الشائع في حصة الآخر وأما ثانيا فلأنه لا يلزم من عدم وجوب الشفعة للمقاسم لأجل مانع يمنع عنه وهو التعذر المذكور عدم وجوبها للجار الآخر الذي يتحقق في حقه ذلك المانع فلا يتم التقريب ; وقال صاحب غاية البيان : ولأنه لو وجبت الشفعة وجبت للمقاسم لأنه شريك والشريك أولى من الجار ولا يجوز أن يقدم الجار على الشريك ا هـ أقول : فيه نظر أيضا أما أولا فلأن المقاسم إنما كان شريكا قبل الاقتسام ، وأما بعده فقد صار جارا فلا يلزم تقدم الجار على الشريك وأما ثانيا فلأن تقدم الجار على الشريك إنما يتصور ويبطل لو ثبت لذلك الشريك حق الشفعة ، وأما إذا لم يثبت له حقها لمانع كما نحن فيه فلا يتصور تقدم الجار على الشريك في استحقاق الشفعة فضلا عن بطلان ذلك ، ألا ترى أنه إذا اشترى دارا فسلم الشريك الشفعة فيها أخذها الجار لسقوط حق الشريك كما مر في أوائل كتاب الشفعة ، ولا يلزم فيه أن يقدم الجار على الشريك فما ظنك فيما نحن فيه

( قوله ومراده الرد بالعيب بعد القبض ) قال جماعة من الشراح : أي مراد القدوري في قوله أو بعيب بقضاء قاض الرد بالعيب بعد القبض ، ورد عليهم ذلك صاحب العناية حيث [ ص: 412 ] قال : قال الشارحون قوله ومراده : أي مراد القدوري في قوله أو بعيب بقضاء قاض الرد بالعيب بعد القبض ، وفيه نظر لأنه يناقض قوله هناك ولا فرق في هذا بين القبض وعدمه ا هـ وقال بعض العلماء بعد نقل كلام صاحب العناية : وفيه كلام ، وهو أنه يمكن أن يقال : مراد صاحب الهداية كون التقييد بالقضاء لغوا في صورة عدم القبض لا الفرق بين القبض وعدمه حتى يناقض ما سبق فيتم كلام الشارحين كما لا يخفى فليتأمل ا هـ .

كلامه يعني يمكن أن يقال من جانب هؤلاء الشارحين إن مراد صاحب الهداية بحمل قول القدوري أو بعيب بقضاء قاض على الرد بالعيب بعد القبض ، صيانة كلام القدوري عن اللغو ، فإن الرد قبل القبض لما كان فسخا من الأصل لم يثبت به له حق الشفعة أصلا سواء كان بقضاء أو بغير قضاء ، فلو لم يكن المراد بقوله أو بعيب بقضاء قاض هو الرد بالعيب بعد القبض لكان التقييد بالقضاء لغوا في صورة عدم القبض ، وليس مراد صاحب الهداية الفرق بين القبض وعدمه في الحكم فيما إذا كان الرد بالقضاء حتى يناقض قوله هنا فيما سبق . أقول : الحق أن مراد صاحب الهداية ما ذهب إليه صاحب العناية ، وأن ما ذكره ذلك البعض ساقط . أما الأول فلأنه لو كان مراده ما ذهب إليه هؤلاء الشارحون لما ذكر قوله ومراده الرد بالعيب بعد القبض فيما بعد بيان قول القدوري وإن ردها بعيب بغير قضاء إلخ بل كان ينبغي أن يذكره قبله أثناء بيان قوله ثم ردها المشتري بخيار رؤية أو شرط أو بعيب بقضاء قاض ، وهذا مما لا يذهب على ذي فطرة سليمة له دربة بأساليب كلام الثقات سيما المصنف وأما الثاني فلأن عدم ظهوره فائدة التقييد بالقضاء بالنظر إلى صورة عدم القبض لا يقتضي كون التقييد بالقضاء لغوا على تقدير كون قول القدوري أو بعيب بقضاء قاض عاما شاملا لصورتي القبض وعدمه ، لأن ظهور فائدة التقييد بالنظر إلى بعض أفراد الكلام العام كاف في كون ذلك الكلام المقيد بذلك القيد مصونا عن اللغو وغير مخل بعمومه فردا آخر أيضا ، إذا لم يكن القيد منافيا لعموم ذلك الفرد الآخر ، وهاهنا كذلك فإن القضاء كما يتصور بعد القبض يتصور قبل القبض أيضا ، غاية الأمر أن تأثير القضاء في عدم ثبوت حق الشفعة إنما يظهر فيما بعد القبض تأمل تقف




الخدمات العلمية