الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف درهم فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل أو بحنطة أو شعير قيمتها ألف أو أكثر فتسليمه باطل وله الشفعة ) لأنه إنما سلم لاستكثار الثمن في الأول ولتعذر الجنس الذي بلغه وتيسر ما بيع به في الثاني إذ الجنس مختلف ، وكذا كل مكيل أو موزون أو عددي متقارب ، بخلاف ما إذا علم أنها بيعت بعرض ، قيمته ألف أو أكثر ، لأن الواجب فيه القيمة وهي دراهم أو دنانير ، وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلا شفعة له ، وكذا إذا كانت أكثر وقال زفر : له الشفعة لاختلاف الجنس ولنا أن الجنس متحد في حق الثمنية [ ص: 419 ] قال ( وإذا قيل له إن المشتري فلان فسلم الشفعة ثم علم أنه غيره فله الشفعة ) لتفاوت الجوار ( ولو علم أن المشتري هو مع غيره فله أن يأخذ نصيب غيره ) لأن التسليم لم يوجد في حقه ( ولو بلغه شراء النصف فسلم ثم ظهر شراء الجميع فله الشفعة ) لأن التسليم لضرر الشركة ولا شركة ، وفي عكسه لا شفعة في ظاهر الرواية لأن التسليم في الكل تسليم في أبعاضه

التالي السابق


( قوله وإذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف درهم فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل أو بحنطة أو شعير قيمتها ألف أو أكثر فتسليمه باطل وله الشفعة ) قال صاحب النهاية : تقييده بقوله قيمتها ألف أو أكثر غير مفيد ، فإنه لو كان قيمتها أقل مما اشترى من الدراهم كان تسليمه باطلا أيضا ، لأن إطلاق ما ذكره في المبسوط والإيضاح دليل عليه حيث قال في المبسوط : وكذلك لو أخبر أن الثمن عبد أو ثوب ثم ظهر أنه كان مكيلا أو موزونا فهو على شفعته ولم يتعرض أن قيمة المكيل والموزون أقل من قيمته التي اشتراها به أو أكثر ، وكذلك تعليله دال عليه ، وكذلك ما ذكره في الإيضاح من الإطلاق والتعليل دال عليه .

وهكذا أيضا استدل في الذخيرة بما ذكره في المبسوط وقال : فلو أخبر أن الثمن شيء [ ص: 419 ] هو من ذوات القيم فسلم ثم ظهر أنه كان مكيلا أو موزونا فهو على الشفعة ، هكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي ثم قال : فعلى هذا القياس لو أخبر أن الثمن ألف درهم فإذا ظهر أنه مكيل أو موزون فهو على شفعته على كل حال إلى هنا لفظ النهاية ، وقال صاحب العناية : قال في النهاية : تقييده بقوله قيمتها ألف أو أكثر غير مفيد ، فإنه لو كان قيمتها أقل مما اشترى من الدراهم كان تسليمه باطلا أيضا وتكلف لذلك كثيرا وهو يعلم بالأولوية ، فإن التسليم إذا لم يصح فيما إذا ظهر الثمن أكثر من المسمى فلأن لا يصح إذا ظهر أقل أولى ا هـ .

أقول : ما ذكره صاحب العناية لا يدفع ما قاله صاحب النهاية من كون التقييد الواقع في عبارة الكتاب بقوله قيمتها ألف أو أكثر غير مفيد ، فإنه لما كان جواب المسألة غير مختلف فيما إذا كان قيمتها ألفا أو أكثر أو أقل كان التقييد بكونها ألفا ، أو أكثر غير مفيد قطعا ، فإن لم يكن مخلا بناء على إيهامه في بادئ الرأي تقييد الحكم أيضا فلا أقل من كونه مستدركا ، وإن عد السلوك مسلك الدلالة بالأولوية مع كونها أمرا مبهما في هذا المقام كفى أن يقال قيمتها أكثر فإن التسليم إذا لم يصح فيما إذا ظهر الثمن أكثر من المسمى فلأن لا يصح فيما إذا ظهر أقل منه أو مساويا له أولى فلا مخلص من استدراك أحد القيدين

( قوله وإذا قيل له إن المشتري فلان فسلم الشفعة ثم علم أنه غيره فله الشفعة لتفاوت الجوار ) يعني لتفاوت الناس في الجوار ، فالرضا بجوار هذا لا يكون رضا بجوار ذاك كذا في الكافي قال محمد رحمة الله عليه في الجامع الكبير : لو قال الشفيع سلمت شفعة هذه الدار إن كنت اشتريتها لنفسك وقد اشتراها لغيره فهذا ليس بتسليم ، وذلك لأن الشفيع علق التسليم بشرط ، وصح هذا التعليق لأن تسليم الشفعة إسقاط محض كالطلاق والعتاق فصح تعليقه بالشرط ولا يترك إلا بعد وجوده ا هـ .

وقال صاحب العناية هاهنا بعد نقل ما قاله محمد في الجامع : وهذا كما ترى يناقض قول المصنف فيما تقدم ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط فبالفاسد أولى ا هـ ولا يخفى أن كلام صاحب العناية هنا خلاصة النظر الذي أورده [ ص: 420 ] الشارح الأتقاني فيما تقدم على قول المصنف ونقلناه عنه ، وذكرنا ما يتعلق به من الكلمات هنالك .

وقصد بعض الفضلاء دفع ذلك حيث قال : وأنت خبير بأنه فرق ما بين شرط وشرط ، فما سبق كان من الشروط التي تدل على الإعراض عن الشفعة والرضا بالجوار مطلقا ، بخلاف ما ذكر هنا فإنه إذا لم يتيسر للشفيع أداء ما اشترى به الدار لم يدل تسليمه على الإعراض ، إذ لا قدرة له على أخذه ، وكذا تسليمه لزيد لا يدل على الرضا بجوار عمرو فليتأمل ا هـ كلامه أقول : هذا ليس بسديد ، لأن حاصله حمل الشرط المذكور في كلام المصنف فيما سبق على الشرط المخصوص وهو الشرط الذي يدل على الإعراض ، وحمل الشرط المذكور في كلام الإمام محمد في الجامع على الشرط المخصوص الآخر وهو الشرط الذي لا يدل على الإعراض ولا يخفى على الفطن أن شيئا من كلاميهما لا يساعد ذلك أصلا ، أما كلام المصنف فلأنه قال : ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط فبالفاسد أولى ، ولا شك أن أولوية عدم تعلق إسقاطه بالفاسد من عدم تعلق إسقاطه بالجائز من الشرط إنما تظهر إذا كان المراد بالشرط الجائز جنس الشرط الجائز لا الشرط الجائز المخصوص لجواز أن يكون لخصوصه حالة مانعة عن التعليق لم توجد تلك في الفاسد ، وأما كلام الإمام محمد فلأنه قال : لأن تسليم الشفعة إسقاط محض كالطلاق والعتاق فصح تعليقه بالشرط . ولا يخفى أن ما يتفرع على كون تسليم الشفعة إسقاطا محضا إنما هو صحة تعليقه بالشرط مطلقا لا صحة تعليقه بشرط معين ، سيما الشرط الذي لا يدل على الإعراض ، فإن كونه إسقاطا يقتضي الإعراض دون عدم الإعراض ، تأمل تقف




الخدمات العلمية