الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الآية فيه الدلالة على إعجاز القرآن ، فمن الناس من يقول : " إعجازه في النظم على حياله وفي المعاني وترتيبها على حياله " ويستدل على ذلك بتحديه في هذه الآية العرب والعجم والجن والإنس ، ومعلوم أن العجم لا يتحدون به من طريق النظم فوجب أن يكون التحدي لهم من جهة المعاني وترتيبها على هذا النظام دون نظم الألفاظ . ومنهم من يأبى أن يكون إعجازه إلا من جهة نظم الألفاظ والبلاغة في العبارة ، فإنه يقول : إن إعجاز القرآن من وجوه كثيرة ، منها حسن النظم وجودة البلاغة في اللفظ والاختصار وجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة مع تعريه من أن يكون فيه لفظ مسخوط أو معنى مدخول ولا تناقض ولا اختلاف تضاد ، وجميعه في هذه الوجوه جار على منهاج واحد ، وكلام العباد لا يخلو إذا طال من أن يكون فيه الألفاظ الساقطة والمعاني الفاسدة والتناقض في المعاني . وهذه المعاني التي ذكرنا من عيوب الكلام موجودة في كلام الناس من أهل سائر اللغات لا يختص باللغة العربية دون غيرها ، فجائز أن يكون التحدي واقعا للعجم بمثل هذه المعاني في الإتيان بها عارية مما يعيبها ويهجنها من الوجوه التي ذكرناها ، ومن جهة أن الفصاحة لا تختص بها لغة العرب دون سائر اللغات وإن كانت [ ص: 35 ] لغة العرب أفصحها ، وقد علمنا أن القرآن في أعلى طبقات البلاغة فجائز أن يكون التحدي للعجم واقعا بأن يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة بلغتهم التي يتكلمون بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية