الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الشافعي -رحمه الله- يجب على المولى إيتاء المكاتب وهو أن يحط عنه جزءا من مال الكتابة ، أو يدفع إليه جزءا مما أخذ منه ، وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه : إنه مندوب إليه لكنه غير واجب ، حجة الشافعي -رحمه الله- ظاهر قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) والأمر للوجوب فقيل عليه إن قوله : ( فكاتبوهم ) وقوله : ( وآتوهم ) أمران وردا في صورة واحدة ، فلم جعلت الأولى ندبا والثاني إيجابا ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            وأيضا فقد ثبت أن قوله ( وآتوهم ) ليس خطابا مع الموالي بل مع عامة المسلمين . حجة أبي حنيفة -رحمه الله- من حيث السنة والقياس ، أما السنة فما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عليه الصلاة والسلام قال : " أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد " فلو كان الحط واجبا لسقط عنه بقدره ، وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : " جاءتني بريرة فقالت : يا عائشة إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعيتني ، ولم تكن قضت من كتابتها شيئا ، فقالت عائشة رضي الله عنها ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت ، فأبوا ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا يمنعك ذلك منها ، ابتاعي وأعتقي ، فإنما الولاء لمن أعتق " .

                                                                                                                                                                                                                                            وجه الاستدلال أنها ما قضت من كتابتها شيئا وأرادت عائشة أن تؤدي عنها كتابتها بالكلية وذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وترك رسول الله النكر عليها ، ولم يقل إنها تستحق أن يحط عنها بعض كتابتها فثبت قولنا . وأما القياس فمن وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : لو كان الإيتاء واجبا لكان وجوبه متعلقا بالعقد فيكون العقد موجبا له ومسقطا له ، وذلك محال لتنافي الإسقاط والإيجاب .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : لو كان الحط واجبا لما احتاج إلى أن يضع عنه بل كان يسقط القدر المستحق كمن له على إنسان دين ثم حصل لذلك الآخر على الأول مثله فإنه يصير قصاصا .

                                                                                                                                                                                                                                            ولو كان كذلك لكان قدر الإيتاء إما أن يكون معلوما أو مجهولا ، فإن كان معلوما وجب أن تكون الكتابة بألفين فيعتق إذا أدى ثلاثة آلاف . والكتابة أربعة آلاف ، وذلك باطل لأن أداء جميعها مشروط ، فلا يعتق بأداء بعضها ، ولأنه عليه السلام قال : " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " وإن كان مجهولا صارت الكتابة مجهولة لأن الباقي بعد الحط مجهول فيصير بمنزلة من كاتب عبده على ألف درهم إلا شيئا وذلك غير جائز والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية