الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ تضمين الراكب والسائق والقائد ]

ومن أنواع الخطأ المختلف فيه ، اختلافهم في تضمين الراكب والسائق والقائد فقال الجمهور : هم ضامنون لما أصابت الدابة ، واحتجوا في ذلك بقضاء عمر على الذي أجرى فرسه فوطئ آخر بالعقل . وقال أهل الظاهر : لا ضمان على أحد في جرح العجماء ، واعتمدوا الأثر الثابت فيه عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " جرح العجماء جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " .

فحمل الجمهور الحديث على أنه لم يكن بالدابة راكب ولا سائق ولا قائد ; لأنهم رأوا أنه إذا أصابت الدابة أحدا وعليها راكب أو لها قائد أو سائق ; فإن الراكب لها أو السائق أو القائد هو المصيب ولكن خطأ .

واختلف الجمهور فيما أصابت الدابة برجلها ، فقال مالك : لا شيء فيه إن لم يفعل صاحب الدابة بالدابة شيئا يبعثها به على أن ترمح برجلها ، وقال الشافعي : يضمن الراكب ما أصابت بيدها أو برجلها ، وبه قال ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، وسويا بين الضمان برجلها أو بغير رجلها ، وبه قال أبو حنيفة ، إلا أنه استثنى الرمحة بالرجل أو بالذنب ، وربما احتج من لم يضمن رجل الدابة بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - : " الرجل جبار " ولم يصح هذا الحديث عند الشافعي ورده .

وأقاويل العلماء فيمن حفر بئرا فوقع فيه إنسان متقاربة ، قال مالك : إن حفر في موضع جرت العادة الحفر في مثله لم يضمن وإن تعدى في الحفر ضمن ، وقال الليث : إن حفر في أرض يملكها لم يضمن وإن حفر فيما لا يملك ضمن ، فمن ضمن عنده فهو من نوع الخطأ .

وكذلك اختلفوا في الدابة الموقوفة ، فقال بعضهم : إن أوقفها بحيث يجب له أن يوقفها لم يضمن ، وإن لم يفعل ضمن ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : يضمن على كل حال ، وليس يبرئه أن يربطها بموضع يجوز له أن يربطها فيه ، كما لا يبرئه ركوبها من ضمان ما أصابته وإن كان الركوب مباحا .

واختلفوا في الفارسين يصطدمان فيموت كل واحد منهما ، فقال مالك ، وأبو حنيفة وجماعة : على كل واحد منهما دية الآخر وذلك على العاقلة ، وقال الشافعي وعثمان البتي : على كل واحد منهما نصف دية صاحبه ; لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية