الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 249 ] [ المسألة الخامسة ]

[ هل يجوز أن ينشئ سفرا في رمضان ثم لا يصوم ؟ ]

وأما المسألة الخامسة : وهي هل يجوز للصائم في رمضان أن ينشيء سفرا ثم لا يصوم فيه ؟ فإن الجمهور على أنه يجوز ذلك له . وروي عن بعضهم وهو عبيدة السلماني وسويد بن غفلة وابن مجلز أنه إن سافر فيه صام ولم يجيزوا له الفطر .

والسبب في اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله - تعالى - ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) . وذلك أنه يحتمل أن يفهم منه أن من شهد أن الواجب أن يصوم ذلك البعض الذي شهده ، وذلك أنه لما كان المفهوم باتفاق أن من شهده كله فهو يصومه كله كأن من شهد بعضه فهو يصوم بعضه ، ويؤيد تأويل الجمهور إنشاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السفر في رمضان .

وأما حكم المسافر إذا أفطر فهو القضاء باتفاق وكذلك المريض لقوله - تعالى - : ( فعدة من أيام أخر ) ما عدا المريض بإغماء أو جنون ، فإنهم اختلفوا في وجوب القضاء عليه ، وفقهاء الأمصار على وجوبه على المغمى عليه واختلفوا في المجنون ، ومذهب مالك وجوب القضاء عليه ، وفيه ضعف لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " وعن المجنون حتى يفيق "

والذين أوجبوا عليهما القضاء اختلفوا في كون الإغماء والجنون مفسدا للصوم ، فقوم قالوا : إنه مفسد . وقوم قالوا : ليس بمفسد ، . وقوم فرقوا بين أن يكون أغمي عليه بعد الفجر أو قبل الفجر . وقوم قالوا : إن أغمي عليه بعد مضي أكثر النهار أجزأه ، وإن أغمي عليه في أول النهار قضى ، وهو مذهب مالك . وهذا كله فيه ضعف ، فإن الإغماء والجنون صفة يرتفع بها التكليف وبخاصة الجنون ، إذا ارتفع التكليف لم يوصف بمفطر ولا صائم ، فكيف يقال في الصفة التي ترفع التكليف إنها مبطلة للصوم إلا كما يقال في الميت أو فيمن لا يصح منه العمل إنه قد بطل صومه وعمله .

التالي السابق


الخدمات العلمية