بسم الله الرحمن الرحيم .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .
كتاب الإجارات .
والنظر في هذا الكتاب شبيه بالنظر في البيوع ( أعني : أصوله تنحصر بالنظر في أنواعها وفي شروط الصحة فيها ، والفساد ، وفي أحكامها ) ، وذلك في نوع نوع منها ( أعني : فيما يخص نوعا نوعا منها ، وفيما يعم أكثر من واحد ) .
فهذا الكتاب ينقسم أولا إلى قسمين :
القسم الأول : في أنواعها وشروط الصحة ، والفساد .
والثاني : في معرفة أحكام الإجارات .
وهذا كله بعد قيام الدليل على جوازها . فلنذكر أولا ما في ذلك من الخلاف ثم نصير إلى ذكر ما في [ ص: 575 ] ذينك القسمين من المسائل المشهورة; إذ كان قصدنا إنما هو ذكر المسائل التي تجري من هذه الأشياء مجرى الأمهات ، وهي التي اشتهر فيها الخلاف بين فقهاء الأمصار . فنقول :
إن عند جميع فقهاء الأمصار ، والصدر الأول . وحكي عن الإجارة جائزة الأصم ، منعها . وابن علية
ودليل الجمهور قوله تعالى : ( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ) الآية ، وقوله : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) .
ومن السنة الثابتة : ما خرجه ، عن البخاري عائشة قالت : " وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا [ أي دليلا حاذقا عالما بالطرق . الحديث ] وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما " . وحديث استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جابر : " " . وما جاز استيفاؤه بالشرط جاز استيفاؤه بالأجر . أنه باع من النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا وشرط ظهره إلى المدينة
وشبهة من منع ذلك : أن المعاوضات إنما يستحق فيها تسليم الثمن بتسليم العين كالحال في الأعيان المحسوسة ، والمنافع في الإجارات في وقت العقد معدومة ، فكان ذلك غررا ومن بيع ما لم يخلق . ونحن نقول : إنها وإن كانت معدومة في حال العقد فهي مستوفاة في الغالب ، والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما يستوفى في الغالب ، أو يكون استيفاؤه وعدم استيفائه على السواء .
القسم الأول .
[ في أنواع الإجارات ، وشروط الصحة ، والفساد ] .
وهذا القسم النظر فيه في جنس الثمن ، وجنس المنفعة التي يكون الثمن مقابلا له ، وصفتها .
فأما ، وقد تقدم ذلك في باب البيوع . الثمن : فينبغي أن يكون مما يجوز بيعه
وأما ، وفي كل هذه مسائل اتفقوا عليها واختلفوا فيها : المنفعة : فينبغي أن تكون من جنس ما لم ينه الشرع عنه
فمما اجتمعوا على إبطال إجارته : كل منفعة كانت لشيء محرم العين ، كذلك كل منفعة كانت محرمة بالشرع ، مثل أجر النوائح ، وأجر المغنيات ، وكذلك كل منفعة كانت فرض عين على الإنسان بالشرع مثل الصلاة ، وغيرها ، واتفقوا على إجارة الدور ، والدواب ، والناس على الأفعال المباحة ، وكذلك الثياب والبسط .
واختلفوا في إجارة الأرضين ، وفي إجارة المياه ، وفي ، وفي إجارة المؤذن ، وفي إجارة نزو الفحول . الإجارة على تعليم القرآن
فأما كراء الأرضين : فاختلفوا فيها اختلافا كثيرا : فقوم لم يجيزوا ذلك بتة ، وهم الأقل ، وبه قال طاوس . وقال الجمهور بجواز ذلك . وأبو بكر بن عبد الرحمن
واختلف هؤلاء فيما يجوز به كراؤها :
فقال قوم : لا يجوز كراؤها إلا بالدراهم ، والدنانير فقط ، وهو مذهب ربيعة ، . وسعيد بن المسيب
وقال قوم : يجوز بكل شيء ما عدا الطعام ، وسواء كان ذلك بالطعام الخارج منها أو لم يكن ، وما عدا ما ينبت فيها كان طعاما ، أو غيره ، وإلى هذا ذهب كراء الأرض مالك ، وأكثر أصحابه .
[ ص: 576 ] وقال آخرون : يجوز كراء الأرض بما عدا الطعام فقط .
وقال آخرون : يجوز كراء الأرض بكل العروض والطعام وغير ذلك ، ما لم يكن بجزء مما يخرج منها من الطعام ، وممن قال بهذا القول ، وغيره من المتقدمين ، وهو قول سالم بن عبد الله ، وظاهر قول الشافعي مالك في الموطإ .
وقال قوم : يجوز كراؤها بكل شيء وبجزء مما يخرج منها ، وبه قال أحمد ، ، والثوري والليث ، وأبو يوسف ، ومحمد صاحبا أبي حنيفة ، ، وابن أبي ليلى ، وجماعة . والأوزاعي
وعمدة من لم يجز كراءها بحال : ما رواه مالك بسنده عن : " رافع بن خديج " ، قالوا : وهذا عام ، وهؤلاء لم يلتفتوا إلى ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع مالك من تخصيص الراوي له حين روى عنه ، قال حنظلة : فسألت ، عن كرائها بالذهب والورق ، فقال : لا بأس به . وروي هذا عن رافع بن خديج رافع ، وأخذ بعمومه ، وكان ابن عمر قبل يكري أرضه فترك ذلك ، وهذا بناء على رأي من يرى أنه لا يخصص العموم بقول الراوي . ابن عمر
وروي عن ، عن أبيه قال : " رافع ابن خديج نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرضين " .
قال : واحتجوا أيضا بحديث أبو عمر بن عبد البر ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطرف ، عن عطاء ، عن جابر قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " " . من كانت له أرض فليزرعها ، أو ليزرعها ، ولا يؤاجرها
فهذه هي جملة الأحاديث التي تمسك بها من لم يجز كراء الأرض . وقالوا أيضا من جهة المعنى : إنه لم يجز كراؤها لما في ذلك من الغرر; لأنه ممكن أن يصيب الزرع جائحة من نار ، أو قحط ، أو غرق ، فيكون قد لزمه كراؤها من غير أن ينتفع من ذلك بشيء .
قال القاضي : ويشبه أن يقال في هذا إن المعنى في ذلك قصد الرفق بالناس لكثرة وجود الأرض كما نهي عن بيع الماء ، ووجه الشبه بينهما أنهما أصلا الخلقة .
وأما عمدة من لم يجز كراءها إلا بالدراهم ، والدنانير : فحديث طارق بن عبد الرحمن ، عن ، عن سعيد بن المسيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رافع بن خديج " . قالوا : فلا يجوز أن يتعدى ما في هذا الحديث ، والأحاديث الأخر مطلقة وهذا مقيد ، ومن الواجب حمل المطلق على المقيد . إنما يزرع ثلاثة : رجل له أرض فيزرعها ، ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح ، ورجل اكترى بذهب أو فضة
وعمدة من أجاز ، وسواء كان الطعام مدخرا أو لم يكن : حديث كراءها بكل شيء ما عدا الطعام ، عن يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رافع بن خديج " . قالوا : وهذا هو من كانت له أرض فليزرعها ، أو ليزرعها أخاه ، ولا يكرها بثلث ، ولا ربع ، ولا بطعام معين التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، وذكروا حديث معنى المحاقلة مرفوعا ، وفيه : والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة . قالوا : وأيضا فإنه من باب بيع الطعام بالطعام نسيئة . سعيد بن المسيب
وعمدة من لم يجز كراءها بالطعام ولا بشيء مما يخرج منها : أما بالطعام : فحجته حجة من لم يجز كراءها بالطعام . وأما حجته على منع كرائها مما تنبت : فهو ما ورد من نهيه صلى الله عليه وسلم عن المخابرة . قالوا : وهي كراء الأرض بما يخرج منها وهذا هو قول مالك وكل أصحابه .
[ ص: 577 ] وعمدة من أجاز : أنه كراء منفعة معلومة بشيء معلوم ، فجاز قياسا على إجارة سائر المنافع ، وكأن هؤلاء ضعفوا أحاديث كراءها بجميع العروض والطعام وغير ذلك مما يخرج منها رافع . روي عن ، وغيره في حديث سالم بن عبد الله رافع أنهم قالوا : اكترى رافع . قالوا : وقد جاء في بعض الروايات عنه ما يجب أن يحمل عليها سائرها قال : " " خرجه كنا أكثر أهل المدينة حقلا ، قال : وكان أحدنا يكري أرضه ويقول : هذه القطعة لي وهذه لك ، وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم . البخاري
وأما من لم يجز كراءها بما يخرج منها : فعمدته النظر والأثر :
أما الأثر : فما ورد من النهي عن المخابرة ، وما ورد من حديث ابن خديج ، عن ظهير بن رافع قال : " " . وهذا الحديث اتفق على تصحيحه الإمامان نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان رفقا بنا ، فقلت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق ، قال : " دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تصنعون بمحاقلكم ؟ قلنا : نؤاجرها على الربع ، وعلى الأوسق من التمر ، والشعير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعلوا ، ازرعوها ، أو زارعوها ، أو أمسكوها البخاري ومسلم .
وأما من أجاز كراءها بما يخرج منها : فعمدته حديث الثابت : " ابن عمر " . قالوا : وهذا الحديث أولى من أحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ، وأرضها على أن يعملوها من أموالهم على نصف ما تخرجه الأرض والثمرة رافع ; لأنها مضطربة المتون ، وإن صحت أحاديث رافع حملناها على الكراهية لا على الحظر ، بدليل ما خرجه ، البخاري ومسلم عن أنه قال : " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها ، ولكن قال : ابن عباس " . قالوا : إن يمنح أحدكم أخاه يكن خيرا له من أن يأخذ منه شيئا وقد قدم معاذ بن جبل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يخابرون فأقرهم .
وأما إجارة المؤذن : فإن قوما لم يروا في ذلك بأسا; وقوما كرهوا ذلك .
والذين كرهوا ذلك وحرموه احتجوا بما روي عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عثمان بن أبي العاص " . اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا
والذين أباحوه قاسوه على الأفعال غير الواجبة ، وهذا هو سبب الاختلاف ( أعني : هل هو واجب أم ليس بواجب ؟ ) .
وأما : فقد اختلفوا فيه أيضا ، وكرهه قوم ، وأجازه آخرون . الاستئجار على تعليم القرآن
والذين أباحوه قاسوه على سائر الأفعال ، واحتجوا بما روي عن خارجة بن الصامت ، عن عمه قال : " أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتينا على حي من أحياء العرب ، فقالوا : إنكم جئتم من عند هذا الرجل ، فهل عندكم دواء أو رقية ، فإن عندنا معتوها في القيود ، فقلنا لهم : نعم ، فجاءوا به ، فجعلت أقرأ عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة ، وعشية أجمع بريقي ، ثم أتفل عليه ، فكأنما أنشط من عقال ، فأعطوني جعلا ، فقلت : لا ، حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته ، فقال : " " . وبما روي عن كل فلعمري من أكل برقية باطل ، فلقد أكلت برقية حق : " أبي سعيد الخدري العرب ، فقالوا : هل عندكم من راق ، فإن سيد الحي قد لدغ ، أو قد عرض له ، قال : فرقيه رجل بفاتحة الكتاب فبرئ ، فأعطي قطيعا من الغنم ، فأبى أن يقبلها ، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بم [ ص: 578 ] رقيته ؟ قال : بفاتحة الكتاب ، قال : وما يدريك أنها رقية ؟ قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم " . أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في غزاة ، فمروا بحي من أحياء
وأما الذين كرهوا الجعل على تعليم القرآن فقالوا : هو من باب . قالوا : ولم يكن الجعل المذكور في الإجارة على تعليم القرآن ، وإنما كان على الرقي ، وسواء كان الرقي بالقرآن أو غيره الاستئجار عليه عندنا جائز كالعلاجات . قالوا : وليس واجبا على الناس ، وأما تعليم القرآن فهو واجب على الناس . الجعل على تعليم الصلاة
وأما : فأجاز إجارة الفحول من الإبل والبقر والدواب مالك أن يكري الرجل فحله على أن ينزو أكواما معلومة ، ولم يجز ذلك أبو حنيفة ، ولا . الشافعي
وحجة من لم يجز ذلك : ما جاء من النهي عن عسيب الفحل; ومن أجازه شبهه بسائر المنافع ، وهذا ضعيف; لأنه تغليب القياس على السماع .
أيضا هو من هذا الباب ، وهو لا يجوز عند واستئجار الكلب ولا عند الشافعي مالك .
يشترط في جواز والشافعي أن تكون متقومة على انفرادها ، فلا يجوز استئجار المنفعة ، ولا طعام لتزيين الحانوت; إذ هذه المنافع ليس لها قيم على انفرادها ، فهو لا يجوز عند استئجار تفاحة للشم مالك ، ولا عند . الشافعي
ومن هذا الباب اختلاف المذهب في إجارة الدراهم والدنانير .
وبالجملة : كل ما لا يعرف بعينه : فقال ابن القاسم : لا يصح إجارة هذا الجنس وهو قرض ، وكان ، وغيره أن ذلك يصح وتلزم الأجرة فيه ، وإنما منع من منع إجارتها; لأنه لم يتصور فيها منفعة إلا بإتلاف عينها; ومن أجاز إجارتها تصور فيها منفعة ، مثل أن يتجمل بها أو يتكثر ، أو غير ذلك مما يمكن أن يتصور في هذا الباب ، فهذه هي مشهورات مسائل الخلاف المتعلقة بجنس المنفعة . أبو بكر الأبهري
وأما مسائل الخلاف المتعلقة بجنس الثمن فهي مسائل الخلاف المتعلقة بما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات وما لا يجوز .
ومما ورد النهي فيه من هذا الباب ما روي : " ، وعن قفيز الطحان كسب الحجام " . قال أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن عسيب الفحل ، وعن : ومعنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان هو ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من دفع القمح إلى الطحان بجزء من الدقيق الذي يطحنه ، قالوا : وهذا لا يجوز عندنا ، وهو استئجار من المستأجر بعين ليس عنده ، ولا هي من الأشياء التي تكون ديونا على الذمم ، ووافقه الطحاوي على هذا . وقال أصحابه : لو الشافعي فسد لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان ، وهذا على مذهب استأجر السلاخ بالجلد والطحان بالنخالة ، أو بصاع من الدقيق مالك جائز; لأنه استأجره على جزء من الطعام معلوم ، وأجرة الطحان ذلك الجزء وهو معلوم أيضا .
وأما : فذهب قوم إلى تحريمه ، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا : كسبه رديء يكره للرجل . وقال آخرون : بل هو مباح . كسب الحجام
والسبب في اختلافهم تعارض الآثار في هذا الباب :
[ ص: 579 ] فمن رأى أنه حرام : احتج بما روي عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة من السحت كسب الحجام " ، وبما روي عن قال : " أنس بن مالك " . وروي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كسب الحجام قال : اشترى أبي حجاما فكسر محاجمه ، فقلت له : يا أبت لم كسرتها ؟ فقال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم عون بن أبي جحيفة " . عن
وأما من رأى إباحة ذلك : فاحتج بما روي قال : " ابن عباس احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره " قالوا : ولو كان حراما لم يعطه ، وحديث عن جابر : " أبا طيبة فحجمه ، فسأله : كم ضريبتك ؟ فقال : ثلاثة آصع ، فوضع عنه صاعا " . وعنه أيضا : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا " . أنه أمر للحجام بصاع من طعام ، وأمر مواليه أن يخففوا عنه
وأما الذين قالوا بكراهيته : فاحتجوا بما روي أن رفاعة بن رافع ، أو رافع بن رفاعة جاء إلى مجلس الأنصار ، فقال : " " . وبما روي : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام ، وأمرنا أن نطعمه ناضحنا بني حارثة كان له حجام ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهاه ، ثم عاد فنهاه ، ثم عاد فنهاه ، فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعلف كسبه ناضحك ، وأطعمه رقيقك " . ومن هذا الباب أيضا اختلافهم في عن رجل من : فأجاز ذلك إجارة دار بسكنى دار أخرى مالك ، ومنعه أبو حنيفة ، ولعله رآها من باب الدين بالدين ، وهذا ضعيف ، فهذه مشهورات مسائلهم فيما يتعلق بجنس الثمن وبجنس المنفعة .
وأما ما يتعلق بأوصافها فنذكر أيضا المشهور منها :
فمن ذلك أن جمهور فقهاء الأمصار مالك ، وأبو حنيفة ، اتفقوا بالجملة أن من والشافعي ، وذلك إما بغايتها مثل خياطة الثوب ، وعمل الباب ، وإما بضرب الأجل إذا لم تكن لها غاية مثل خدمة الأجير ، وذلك إما بالزمان إن كان عملا واستيفاء منفعة متصلة الوجود مثل كراء الدور ، والحوانيت ، وإما بالمكان إن كان مشيا مثل كراء الرواحل . وذهب أهل الظاهر ، وطائفة من السلف إلى جواز إجارات المجهولات مثل أن يعطي الرجل حماره لمن يسقي عليه أو يحتطب عليه بنصف ما يعود عليه . شرط الإجارة أن يكون الثمن معلوما والمنفعة معلومة القدر
وعمدة الجمهور : أن الإجارة بيع فامتنع فيها من الجهل - لمكان الغبن - ما امتنع في المبيعات .
واحتج الفريق الثاني .
بقياس الإجارة على القراض والمساقاة ، والجمهور على أن القراض ، والمساقاة مستثنيان بالسنة فلا يقاس عليهما لخروجهما عن الأصول .
واتفق مالك ، على أنهما إذا ضربا للمنفعة التي ليس لها غاية أمدا من الزمان محدودا ، وحددوا أيضا أول ذلك الأمد ، وكان أوله عقب العقد أن ذلك جائز . واختلفوا إذا لم يحددوا أول الزمان أو حددوه ولم يكن عقب العقد ، فقال والشافعي مالك : يجوز إذا حدد الزمان ولم يحدد أوله ، مثل أن يقول له : . وقال استأجرت منك هذه الدار سنة بكذا أو شهرا بكذا ، ولا يذكر أول ذلك الشهر ولا أول تلك السنة : لا يجوز ، ويكون أول الوقت عند الشافعي مالك وقت عقد الإجارة . فمنعه ; لأنه غرر ، وأجازه مالك ; لأنه معلوم بالعادة . الشافعي
[ ص: 580 ] وكذلك لم يجز إذا كان أول العقد متراخيا عن العقد ، وأجازه الشافعي مالك . واختلف قول أصحابه في استئجار الأرض غير المأمونة ، والتغيير فيما بعد من الزمان .
وكذلك اختلف مالك ، في مقدار الزمان الذي تقدر به هذه المنافع; والشافعي فمالك يجيز ذلك السنين الكثيرة ، مثل أن يكري الدار لعشرة أعوام ، أو أكثر ، مما لا تتغير الدار في مثله .
وقال : لا يجوز ذلك لأكثر من عام واحد . الشافعي
واختلف قول ابن القاسم ، في أرض المطر ، وأرض السقي بالعيون ، وأرض السقي بالآبار ، والأنهار : فأجاز وابن الماجشون ابن القاسم فيها الكراء بالسنين الكثيرة . وفصل ، فقال : لا يجوز ابن الماجشون إلا لعام واحد ، وأما أرض السقي بالعيون فلا يجوز كراؤها إلا لثلاثة أعوام ، وأربعة ، وأما أرض الآبار والأنهار فلا يجوز إلا لعشرة أعوام فقط . فالاختلاف هاهنا في ثلاثة مواضع : في تحديد أول المدة ، وفي طولها ، وفي بعدها عن وقت العقد . الكراء في أرض المطر
وكذلك اختلف مالك ، إذا لم يحدد المدة ، وحدد القدر الذي يجب لأقل المدة; مثل أن يقول : والشافعي ، فقال أكتري منك هذه الدار الشهر بكذا ، ولا يضربان لذلك أمدا معلوما : لا يجوز . وقال الشافعي مالك وأصحابه : يجوز على قياس : أبيعك من هذه الصبرة بحساب القفيز بدرهم ، وهذا لا يجوز غيره .
وسبب الخلاف : اعتبار الجهل الواقع في هذه الأشياء : هل هو من الغرر المعفو عنه أو المنهي عنه ؟
ومن هذا الباب اختلافهم في البيع والإجارة : أجازه مالك ، ومنعه ، الشافعي وأبو حنيفة ، ولم يجز مالك أن يقترن بالبيع إلا الإجارة فقط .
ومن هذا الباب اختلافهم في : فقال إجارة المشاع مالك ، : هي جائزة . وقال والشافعي أبو حنيفة : لا تجوز; لأن عنده أن الانتفاع بها مع الإشاعة متعذر; وعند مالك ، أن الانتفاع بها ممكن مع شريكه كانتفاع المكري بها مع شريكه ( أعنى : رب المال ) . والشافعي
ومن هذا الباب : فمنع استئجار الأجير بطعامه وكسوته ، وكذلك الظئر ذلك على الإطلاق ، وأجاز ذلك الشافعي مالك على الإطلاق : ( أعني : في كل أجير ) ; وأجاز ذلك أبو حنيفة في الظئر فقط .
وسبب الخلاف : هل هي إجارة مجهولة ، أم ليست مجهولة ؟ فهذه هي شرائط الإجارة الراجعة إلى الثمن والمثمون .
وأما أنواع الإجارة : فإن العلماء على أن الإجارة على ضربين : ، إجارة منافع أعيان محسوسة قياسا على البيع . والذي في الذمة من شرطه الوصف ، والذي في العين من شرطه الرؤية أو الصفة عنده كالحال في المبيعات . ومن شرط الصفة عنده : ذكر الجنس والنوع ، وذلك في الشيء الذي تستوفى منافعه ، وفي الشيء الذي تستوفى به منافعه فلا بد من وصف المركوب مثلا ، والجمل الذي تستوفى به منفعة المركوب . وإجارة منافع في الذمة
وعند مالك أن الراكب لا يحتاج أن يوصف ، وعند يحتاج إلى الوصف ، وعند الشافعي ابن القاسم أنه إذا استأجر الراعي على غنم بأعيانها أن من شرط صحة العقد اشتراط الخلف . وعند غيره تلزم الجملة بغير شرط .
[ ص: 581 ] ومن أن يعجل النقد عند شرط إجارة الذمة مالك ليخرج من الدين بالدين; كما أن من شرط عنده أن لا يشترط فيها النقد إلا بعد الري . إجارة الأرض غير المأمونة السقي
واختلفوا في الكراء : هل يدخل في أنواعه الخيار أم لا ؟ فقال مالك : يجوز الخيار في الصنفين من الكراء المضمون والمعين .
وقال : لا يجوز . الشافعي
فهذه هي المشهورات من المسائل الواقعة في هذا القسم الأول من هذا الكتاب ، وهو الذي يشتمل على النظر في محال هذا العقد وأوصافه وأنواعه ، وهي الأشياء التي تجري من هذا العقد مجرى الأركان ، وبها يوصف العقد إذا كان على الشروط الشرعية بالصحة ، وبالفساد إذا لم يكن على ذلك ، وبقي النظر في الجزء الثاني ، وهو أحكام هذا العقد .
كتاب الإجارات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
كِتَابُ الْإِجَارَاتِ .
وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ شَبِيهٌ بِالنَّظَرِ فِي الْبُيُوعِ ( أَعْنِي : أُصُولَهُ تَنْحَصِرُ بِالنَّظَرِ فِي أَنْوَاعِهَا وَفِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ فِيهَا ، وَالْفَسَادِ ، وَفِي أَحْكَامِهَا ) ، وَذَلِكَ فِي نَوْعٍ نَوْعٍ مِنْهَا ( أَعْنِي : فِيمَا يَخُصُّ نَوْعًا نَوْعًا مِنْهَا ، وَفِيمَا يَعُمُّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ) .
فَهَذَا الْكِتَابُ يَنْقَسِمُ أَوَّلًا إِلَى قِسْمَيْنِ :
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : فِي أَنْوَاعِهَا وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ ، وَالْفَسَادِ .
وَالثَّانِي : فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْإِجَارَاتِ .
وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِهَا . فَلْنَذْكُرْ أَوَّلًا مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى ذِكْرِ مَا فِي [ ص: 575 ] ذَيْنِكَ الْقِسْمَيْنِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ; إِذْ كَانَ قَصْدُنَا إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَجْرِي مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَجْرَى الْأُمَّهَاتِ ، وَهِيَ الَّتِي اشْتُهِرَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ . فَنَقُولُ :
إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=6041الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ . وَحُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=13382وَابْنِ عُلَيَّةَ مَنْعُهَا .
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ) الْآيَةَ ، وَقَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) .
وَمِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ : مَا خَرَّجَهُ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، عَنْ عَائِشَةِ قَالَتْ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006647اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا [ أَيْ دَلِيلًا حَاذِقًا عَالِمًا بِالطُّرُقِ . الْحَدِيثَ ] وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا " . وَحَدِيثُ جَابِرٍ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006648أَنَّهُ بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ " . وَمَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالشَّرْطِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْأَجْرِ .
وَشُبْهَةُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ : أَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ فِيهَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ كَالْحَالِ فِي الْأَعْيَانِ الْمَحْسُوسَةِ ، وَالْمَنَافِعُ فِي الْإِجَارَاتِ فِي وَقْتِ الْعَقْدِ مَعْدُومَةٌ ، فَكَانَ ذَلِكَ غَرَرًا وَمِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ . وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً فِي حَالِ الْعَقْدِ فَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْغَالِبِ ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا لَحَظَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ مَا يُسْتَوْفَى فِي الْغَالِبِ ، أَوْ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتِيفَائِهِ عَلَى السَّوَاءِ .
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ .
[ فِي أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ ، وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ ، وَالْفَسَادِ ] .
وَهَذَا الْقِسْمُ النَّظَرُ فِيهِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ ، وَجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَكُونُ الثَّمَنُ مُقَابِلًا لَهُ ، وَصِفَتِهَا .
فَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6054الثَّمَنُ : فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْبُيُوعِ .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6070الْمَنْفَعَةُ : فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا لَمْ يَنْهَ الشَّرْعُ عَنْهُ ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ مَسَائِلُ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِيهَا :
فَمِمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى إِبْطَالِ إِجَارَتِهِ : كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ لِشَيْءٍ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ ، كَذَلِكَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ ، مِثْلُ أَجْرِ النَّوَائِحِ ، وَأَجْرِ الْمُغَنِّيَاتِ ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرْعِ مِثْلُ الصَّلَاةِ ، وَغَيْرِهَا ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِجَارَةِ الدُّورِ ، وَالدَّوَابِّ ، وَالنَّاسِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ وَالْبُسُطُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي إِجَارَةِ الْأَرَضِينَ ، وَفِي إِجَارَةِ الْمِيَاهِ ، وَفِي nindex.php?page=treesubj&link=6089_22712إِجَارَةِ الْمُؤَذِّنِ ، وَفِي nindex.php?page=treesubj&link=6089_18624الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَفِي إِجَارَةِ نَزْوِ الْفُحُولِ .
فَأَمَّا كِرَاءُ الْأَرَضِينَ : فَاخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا : فَقَوْمٌ لَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ بَتَّةً ، وَهُمُ الْأَقَلُّ ، وَبِهِ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ nindex.php?page=showalam&ids=11947وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِجَوَازِ ذَلِكَ .
وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ كِرَاؤُهَا :
فَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ فَقَطْ ، وَهُوَ مَذْهَبُ رَبِيعَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : يَجُوزُ nindex.php?page=treesubj&link=6060كِرَاءُ الْأَرْضِ بِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الطَّعَامَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ الْخَارِجِ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَمَا عَدَا مَا يَنْبُتُ فِيهَا كَانَ طَعَامًا ، أَوْ غَيْرَهُ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ .
[ ص: 576 ] وَقَالَ آخَرُونَ : يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا عَدَا الطَّعَامَ فَقَطْ .
وَقَالَ آخَرُونَ : يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِكُلِّ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مَا لَمْ يَكُنْ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الطَّعَامِ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ nindex.php?page=showalam&ids=15959سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَهُوَ قَوْلُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَبِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ .
وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِحَالٍ : مَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِسَنَدِهِ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006649أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ " ، قَالُوا : وَهَذَا عَامٌّ ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا رَوَى مَالِكٌ مِنْ تَخْصِيصِ الرَّاوِي لَهُ حِينَ رَوَى عَنْهُ ، قَالَ حَنْظَلَةُ : فَسَأَلْتُ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ، عَنْ كِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ . وَرُوِيَ هَذَا عَنْ رَافِعِ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، وَأُخِذَ بِعُمُومِهِ ، وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ قَبْلُ يُكْرِي أَرْضَهُ فَتَرَكَ ذَلِكَ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يُخَصَّصُ الْعُمُومُ بِقَوْلِ الرَّاوِي .
وَرُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ ابْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِجَارَةِ الْأَرَضِينَ " .
قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13332أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ضَمْرَةَ ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006651مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا ، أَوْ لِيُزْرِعْهَا ، وَلَا يُؤَاجِرْهَا " .
فَهَذِهِ هِيَ جُمْلَةُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَ الْأَرْضِ . وَقَالُوا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى : إِنَّهُ لَمْ يَجُزْ كِرَاؤُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ; لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ أَنْ يُصِيبَ الزَّرْعَ جَائِحَةٌ مِنْ نَارٍ ، أَوْ قَحْطٍ ، أَوْ غَرَقٍ ، فَيَكُونُ قَدْ لَزِمَهُ كِرَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ .
قَالَ الْقَاضِي : وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا إِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ قَصْدُ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الْأَرْضِ كَمَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا أَصْلَا الْخِلْقَةِ .
وَأَمَّا عُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ : فَحَدِيثُ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006652إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَيَزْرَعُهَا ، وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ ، وَرَجُلٌ اكْتَرَى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ " . قَالُوا : فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَدَّى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَالْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ مُطْلَقَةٌ وَهَذَا مُقَيَّدٌ ، وَمِنَ الْوَاجِبِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ .
وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ nindex.php?page=treesubj&link=6060كِرَاءَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الطَّعَامَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ مُدَّخَرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ : حَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=17389يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=16049سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006653مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا ، أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ ، وَلَا يُكْرِهَا بِثُلُثٍ ، وَلَا رُبْعٍ ، وَلَا بِطَعَامٍ مُعَيَّنٍ " . قَالُوا : وَهَذَا هُوَ nindex.php?page=treesubj&link=4708مَعْنَى الْمُحَاقَلَةِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا ، وَذَكَرُوا حَدِيثَ nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَرْفُوعًا ، وَفِيهِ : وَالْمُحَاقَلَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ . قَالُوا : وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً .
وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِالطَّعَامِ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا : أَمَّا بِالطَّعَامِ : فَحُجَّتُهُ حُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِالطَّعَامِ . وَأَمَّا حُجَّتُهُ عَلَى مَنْعِ كِرَائِهَا مِمَّا تَنْبُتُ : فَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُخَابَرَةِ . قَالُوا : وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكُلِّ أَصْحَابِهِ .
[ ص: 577 ] وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ nindex.php?page=treesubj&link=6060كِرَاءَهَا بِجَمِيعِ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا : أَنَّهُ كِرَاءُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ، فَجَازَ قِيَاسًا عَلَى إِجَارَةِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ ، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ ضَعَّفُوا أَحَادِيثَ رَافِعٍ . رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=15959سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : اكْتَرَى رَافِعٌ . قَالُوا : وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ مَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا سَائِرُهَا قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006654كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا ، قَالَ : وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ وَيَقُولُ : هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهَذِهِ لَكَ ، وَرُبَّمَا أَخْرَجْتَ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَّجَهُ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا : فَعُمْدَتُهُ النَّظَرُ وَالْأَثَرُ :
أَمَّا الْأَثَرُ : فَمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ ، وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006655نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ رِفْقًا بِنَا ، فَقُلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ ، قَالَ : " دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ ؟ قُلْنَا : نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبْعِ ، وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ ، وَالشَّعِيرِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَفْعَلُوا ، ازْرَعُوهَا ، أَوْ زَارِعُوهَا ، أَوْ أَمْسِكُوهَا " . وَهَذَا الْحَدِيثُ اتَّفَقَ عَلَى تَصْحِيحِهِ الْإِمَامَانِ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ كِرَاءَهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا : فَعُمْدَتُهُ حَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتُ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006656أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ ، وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى نِصْفِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَالثَّمَرَةُ " . قَالُوا : وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوْلَى مِنْ أَحَادِيثِ رَافِعٍ ; لِأَنَّهَا مُضْطَرِبَةُ الْمُتُونِ ، وَإِنْ صَحَّتْ أَحَادِيثُ رَافِعٍ حَمَلْنَاهَا عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى الْحَظْرِ ، بِدَلِيلِ مَا خَرَّجَهُ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا ، وَلَكِنْ قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=1006657إِنْ يَمْنَحْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَكُنْ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا " . قَالُوا : وَقَدْ قَدِمَ nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْيَمَنَ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُخَابِرُونَ فَأَقَرَّهُمْ .
وَأَمَّا إِجَارَةُ الْمُؤَذِّنِ : فَإِنَّ قَوْمًا لَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ بَأْسًا; وَقَوْمًا كَرِهُوا ذَلِكَ .
وَالَّذِينَ كَرِهُوا ذَلِكَ وَحَرَّمُوهُ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=61عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006659اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا " .
وَالَّذِينَ أَبَاحُوهُ قَاسُوهُ عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ ( أَعْنِي : هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ؟ ) .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6089_18624الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ : فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا ، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ ، وَأَجَازَهُ آخَرُونَ .
وَالَّذِينَ أَبَاحُوهُ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ : " أَقْبَلْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَقَالُوا : إِنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ دَوَاءٌ أَوْ رُقْيَةٌ ، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَعْتُوهًا فِي الْقُيُودِ ، فَقُلْنَا لَهُمْ : نَعَمْ ، فَجَاءُوا بِهِ ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً ، وَعَشِيَّةً أَجْمَعُ بِرِيقِي ، ثُمَّ أَتْفُلُ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا ، فَقُلْتُ : لَا ، حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006660كُلْ فَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ ، فَلَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ " . وَبِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006661أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي غَزَاةٍ ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَقَالُوا : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَاقٍ ، فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ قَدْ لُدِغَ ، أَوْ قَدْ عُرِضَ لَهُ ، قَالَ : فَرَقِيَهُ رَجُلٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرِئَ ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنَ الْغَنَمِ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : بِمَ [ ص: 578 ] رَقَيْتَهُ ؟ قَالَ : بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، قَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ؟ قَالَ : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ فِيهَا بِسَهْمٍ " .
وَأَمَّا الَّذِينَ كَرِهُوا الْجُعْلَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَقَالُوا : هُوَ مِنْ بَابِ nindex.php?page=treesubj&link=6089الْجُعْلِ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ . قَالُوا : وَلَمْ يَكُنِ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرَّقْيِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّقْيُ بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا جَائِزٌ كَالْعِلَاجَاتِ . قَالُوا : وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى النَّاسِ ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6066إِجَارَةُ الْفُحُولِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالدَّوَابِّ : فَأَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ فَحْلَهُ عَلَى أَنْ يَنْزَوَ أَكْوَامًا مَعْلُومَةً ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ : مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ; وَمَنْ أَجَازَهُ شَبَّهَهُ بِسَائِرِ الْمَنَافِعِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ; لِأَنَّهُ تَغْلِيبُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ .
nindex.php?page=treesubj&link=6066وَاسْتِئْجَارُ الْكَلْبِ أَيْضًا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ .
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ يَشْتَرِطُ فِي جَوَازِ nindex.php?page=treesubj&link=6069اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَقَوِّمَةً عَلَى انْفِرَادِهَا ، فَلَا يَجُوزُ nindex.php?page=treesubj&link=6069اسْتِئْجَارُ تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ ، وَلَا طَعَامٍ لِتَزْيِينِ الْحَانُوتِ; إِذْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ لَيْسَ لَهَا قِيَمٌ عَلَى انْفِرَادِهَا ، فَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَلَا عِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُ الْمَذْهَبِ فِي إِجَارَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ .
وَبِالْجُمْلَةِ : كُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ : فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يَصِحُّ إِجَارَةُ هَذَا الْجِنْسِ وَهُوَ قَرْضٌ ، وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=13658أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ ، وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مَنْ مَنَعَ إِجَارَتَهَا; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فِيهَا مَنْفَعَةً إِلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهَا; وَمَنْ أَجَازَ إِجَارَتَهَا تَصَوَّرَ فِيهَا مَنْفَعَةً ، مِثْلَ أَنْ يَتَجَمَّلَ بِهَا أَوْ يَتَكَثَّرَ ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِي هَذَا الْبَابِ ، فَهَذِهِ هِيَ مَشْهُورَاتُ مَسَائِلِ الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ .
وَأَمَّا مَسَائِلُ الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ فَهِيَ مَسَائِلُ الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْمَبِيعَاتِ وَمَا لَا يَجُوزُ .
وَمِمَّا وَرَدَ النَّهْيُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006662أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ ، وَعَنْ nindex.php?page=treesubj&link=17380_6093كَسْبِ الْحَجَّامِ ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ " . قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ : وَمَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ هُوَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ دَفْعِ الْقَمْحِ إِلَى الطَّحَّانِ بِجُزْءٍ مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي يَطْحَنُهُ ، قَالُوا : وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ، وَهُوَ اسْتِئْجَارٌ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ بِعَيْنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ ، وَلَا هِيَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ دُيُونًا عَلَى الذِّمَمِ ، وَوَافَقَهُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا . وَقَالَ أَصْحَابُهُ : لَوِ nindex.php?page=treesubj&link=6079اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالطَّحَّانَ بِالنُّخَالَةِ ، أَوْ بِصَاعٍ مِنَ الدَّقِيقِ فَسَدَ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ جَائِزٌ; لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ ، وَأُجْرَةُ الطَّحَّانِ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَهُوَ مَعْلُومٌ أَيْضًا .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6093_17380كَسْبُ الْحَجَّامِ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهِ ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا : كَسْبُهُ رَدِيءٌ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مُبَاحٌ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ :
[ ص: 579 ] فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ حَرَامٌ : احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنَ السُّحْتِ كَسْبُ الْحَجَّامِ " ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006664حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبَ الْحَجَّامِ " . وَرُوِيَ nindex.php?page=hadith&LINKID=1006665عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=16733عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : اشْتَرَى أَبِي حَجَّامًا فَكَسَرَ مَحَاجِمَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَتِ لِمَ كَسَرْتَهَا ؟ فَقَالَ : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ " .
وَأَمَّا مَنْ رَأَى إِبَاحَةَ ذَلِكَ : فَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ nindex.php?page=hadith&LINKID=1006666عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " nindex.php?page=treesubj&link=6093_17380_32185احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ " قَالُوا : وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006667أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أَبَا طَيْبَةَ فَحَجَمَهُ ، فَسَأَلَهُ : كَمْ ضَرِيبَتُكَ ؟ فَقَالَ : ثَلَاثَةُ آصُعٍ ، فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعًا " . وَعَنْهُ أَيْضًا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006668أَنَّهُ أَمَرَ لِلْحَجَّامِ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ ، وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ " .
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِكَرَاهِيَتِهِ : فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ ، أَوْ رَافِعَ بْنَ رَفَاعَةٍ جَاءَ إِلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006669نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نُطْعِمَهُ نَاضِحَنَا " . وَبِمَا رُوِيَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006670عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ كَانَ لَهُ حَجَّامٌ ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ عَادَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ عَادَ فَنَهَاهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْلِفْ كَسْبَهُ نَاضِحَكَ ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ " . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا اخْتِلَافُهُمْ فِي nindex.php?page=treesubj&link=6060إِجَارَةِ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى : فَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَعَلَّهُ رَآهَا مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، فَهَذِهِ مَشْهُورَاتُ مَسَائِلِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ وَبِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ .
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْصَافِهَا فَنَذْكُرُ أَيْضًا الْمَشْهُورَ مِنْهَا :
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ جُمْهُورَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ اتَّفَقُوا بِالْجُمْلَةِ أَنَّ مِنْ nindex.php?page=treesubj&link=6114_6122شَرْطِ الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ ، وَذَلِكَ إِمَّا بِغَايَتِهَا مِثْلَ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ ، وَعَمَلِ الْبَابِ ، وَإِمَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا غَايَةٌ مِثْلَ خِدْمَةِ الْأَجِيرِ ، وَذَلِكَ إِمَّا بِالزَّمَانِ إِنْ كَانَ عَمَلًا وَاسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ مُتَّصِلَةِ الْوُجُودِ مِثْلَ كِرَاءِ الدُّورِ ، وَالْحَوَانِيتِ ، وَإِمَّا بِالْمَكَانِ إِنْ كَانَ مَشْيًا مِثْلَ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ . وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ ، وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى جَوَازِ إِجَارَاتِ الْمَجْهُولَاتِ مِثْلَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ حِمَارَهُ لِمَنْ يَسْقِي عَلَيْهِ أَوْ يَحْتَطِبُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ .
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ : أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ فَامْتُنِعَ فِيهَا مِنَ الْجَهْلِ - لِمَكَانِ الْغَبْنِ - مَا امْتُنِعَ فِي الْمَبِيعَاتِ .
وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي .
بِقِيَاسِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْقِرَاضَ ، وَالْمُسَاقَاةَ مُسْتَثْنَيَانِ بِالسُّنَّةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا لِخُرُوجِهِمَا عَنِ الْأُصُولِ .
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُمَا إِذَا ضُرِبَا لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ أَمَدًا مِنَ الزَّمَانِ مَحْدُودًا ، وَحَدَّدُوا أَيْضًا أَوَّلَ ذَلِكَ الْأَمَدِ ، وَكَانَ أَوَّلُهُ عَقِبَ الْعَقْدِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ . وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يُحَدِّدُوا أَوَّلَ الزَّمَانِ أَوْ حَدَّدُوهُ وَلَمْ يَكُنْ عَقِبَ الْعَقْدِ ، فَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ إِذَا حُدِّدَ الزَّمَانُ وَلَمْ يُحَدَّدْ أَوَّلُهُ ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : nindex.php?page=treesubj&link=6117اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِكَذَا أَوْ شَهْرًا بِكَذَا ، وَلَا يَذْكُرُ أَوَّلَ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَلَا أَوَّلَ تِلْكَ السَّنَةِ . وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ ، وَيَكُونُ أَوَّلُ الْوَقْتِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ . فَمَنَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ; لِأَنَّهُ غَرَرٌ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ .
[ ص: 580 ] وَكَذَلِكَ لَمْ يُجِزِ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ أَوَّلُ الْعَقْدِ مُتَرَاخِيًا عَنِ الْعَقْدِ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ . وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ ، وَالتَّغْيِيرِ فِيمَا بَعْدُ مِنَ الزَّمَانِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ فِي مِقْدَارِ الزَّمَانِ الَّذِي تُقَدَّرُ بِهِ هَذِهِ الْمَنَافِعُ; فَمَالِكٌ يُجِيزُ ذَلِكَ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ ، مِثْلَ أَنْ يَكْرِيَ الدَّارَ لِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ ، أَوْ أَكْثَرَ ، مِمَّا لَا تَتَغَيَّرُ الدَّارُ فِي مِثْلِهِ .
وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ .
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، nindex.php?page=showalam&ids=12873وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي أَرْضِ الْمَطَرِ ، وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ ، وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْآبَارِ ، وَالْأَنْهَارِ : فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا الْكِرَاءَ بِالسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ . وَفَصَلَ nindex.php?page=showalam&ids=12873ابْنُ الْمَاجِشُونِ ، فَقَالَ : لَا يَجُوزُ nindex.php?page=treesubj&link=6112الْكِرَاءُ فِي أَرْضِ الْمَطَرِ إِلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ فَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إِلَّا لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ ، وَأَرْبَعَةٍ ، وَأَمَّا أَرْضُ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا لِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَقَطْ . فَالِاخْتِلَافُ هَاهُنَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : فِي تَحْدِيدِ أَوَّلِ الْمُدَّةِ ، وَفِي طُولِهَا ، وَفِي بُعْدِهَا عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ إِذَا لَمْ يُحَدِّدِ الْمُدَّةَ ، وَحَدَّدَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ; مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : nindex.php?page=treesubj&link=6117أَكْتَرِي مِنْكَ هَذِهِ الدَّارَ الشَّهْرَ بِكَذَا ، وَلَا يَضْرِبَانِ لِذَلِكَ أَمَدًا مَعْلُومًا ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ . وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ : يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ : أَبِيعُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِحِسَابِ الْقَفِيزِ بِدِرْهَمٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : اعْتِبَارُ الْجَهْلِ الْوَاقِعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ : هَلْ هُوَ مِنَ الْغَرَرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَوِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؟
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ : أَجَازَهُ مَالِكٌ ، وَمَنَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْبَيْعِ إِلَّا الْإِجَارَةَ فَقَطْ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي nindex.php?page=treesubj&link=6099إِجَارَةِ الْمُشَاعِ : فَقَالَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : هِيَ جَائِزَةٌ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَجُوزُ; لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْإِشَاعَةِ مُتَعَذِّرٌ; وَعِنْدَ مَالِكٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ مَعَ شَرِيكِهِ كَانْتِفَاعِ الْمُكْرِي بِهَا مَعَ شَرِيكِهِ ( أَعَنَى : رَبَّ الْمَالِ ) .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ nindex.php?page=treesubj&link=6099_12872اسْتِئْجَارُ الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ ، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ : فَمَنَعَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ : ( أَعْنِي : فِي كُلِّ أَجِيرٍ ) ; وَأَجَازَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الظِّئْرِ فَقَطْ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : هَلْ هِيَ إِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ ، أَمْ لَيْسَتْ مَجْهُولَةً ؟ فَهَذِهِ هِيَ شَرَائِطُ الْإِجَارَةِ الرَّاجِعَةُ إِلَى الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ .
وَأَمَّا أَنْوَاعُ الْإِجَارَةِ : فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : nindex.php?page=treesubj&link=6058إِجَارَةُ مَنَافِعِ أَعْيَانٍ مَحْسُوسَةٍ ، nindex.php?page=treesubj&link=6078وَإِجَارَةُ مَنَافِعَ فِي الذِّمَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ . وَالَّذِي فِي الذِّمَّةِ مِنْ شَرْطِهِ الْوَصْفُ ، وَالَّذِي فِي الْعَيْنِ مِنْ شَرْطِهِ الرُّؤْيَةُ أَوِ الصِّفَةُ عِنْدَهُ كَالْحَالِ فِي الْمَبِيعَاتِ . وَمِنْ شَرْطِ الصِّفَةِ عِنْدَهُ : ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ ، وَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُسْتَوْفَى مَنَافِعُهُ ، وَفِي الشَّيْءِ الَّذِي تُسْتَوْفَى بِهِ مَنَافِعُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الْمَرْكُوبِ مَثَلًا ، وَالْجَمَلُ الَّذِي تُسْتَوْفَى بِهِ مَنْفَعَةُ الْمَرْكُوبِ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُوصَفَ ، وَعِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصْفِ ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّاعِيَ عَلَى غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ اشْتِرَاطُ الْخُلْفِ . وَعِنْدَ غَيْرِهِ تَلْزَمُ الْجُمْلَةُ بِغَيْرِ شَرْطٍ .
[ ص: 581 ] وَمِنْ nindex.php?page=treesubj&link=6082شَرْطِ إِجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يُعَجَّلَ النَّقْدُ عِنْدَ مَالِكٍ لِيَخْرُجَ مِنَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ; كَمَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ nindex.php?page=treesubj&link=6060إِجَارَةِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ السَّقْيِ عِنْدَهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا النَّقْدُ إِلَّا بَعْدَ الرَّيِّ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْكِرَاءِ : هَلْ يَدْخُلُ فِي أَنْوَاعِهِ الْخِيَارُ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنَ الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ وَالْمُعَيَّنِ .
وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ .
فَهَذِهِ هِيَ الْمَشْهُورَاتُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَهُوَ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى النَّظَرِ فِي مَحَالِّ هَذَا الْعَقْدِ وَأَوْصَافِهِ وَأَنْوَاعِهِ ، وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَجْرِي مِنْ هَذَا الْعَقْدِ مَجْرَى الْأَرْكَانِ ، وَبِهَا يُوصَفُ الْعَقْدُ إِذَا كَانَ عَلَى الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ بِالصِّحَّةِ ، وَبِالْفَسَادِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي ، وَهُوَ أَحْكَامُ هَذَا الْعَقْدِ .
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
كِتَابُ الْإِجَارَاتِ .
وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ شَبِيهٌ بِالنَّظَرِ فِي الْبُيُوعِ ( أَعْنِي : أُصُولَهُ تَنْحَصِرُ بِالنَّظَرِ فِي أَنْوَاعِهَا وَفِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ فِيهَا ، وَالْفَسَادِ ، وَفِي أَحْكَامِهَا ) ، وَذَلِكَ فِي نَوْعٍ نَوْعٍ مِنْهَا ( أَعْنِي : فِيمَا يَخُصُّ نَوْعًا نَوْعًا مِنْهَا ، وَفِيمَا يَعُمُّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ) .
فَهَذَا الْكِتَابُ يَنْقَسِمُ أَوَّلًا إِلَى قِسْمَيْنِ :
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : فِي أَنْوَاعِهَا وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ ، وَالْفَسَادِ .
وَالثَّانِي : فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْإِجَارَاتِ .
وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِهَا . فَلْنَذْكُرْ أَوَّلًا مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى ذِكْرِ مَا فِي [ ص: 575 ] ذَيْنِكَ الْقِسْمَيْنِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ; إِذْ كَانَ قَصْدُنَا إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَجْرِي مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَجْرَى الْأُمَّهَاتِ ، وَهِيَ الَّتِي اشْتُهِرَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ . فَنَقُولُ :
إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=6041الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ . وَحُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=13382وَابْنِ عُلَيَّةَ مَنْعُهَا .
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ) الْآيَةَ ، وَقَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) .
وَمِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ : مَا خَرَّجَهُ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، عَنْ عَائِشَةِ قَالَتْ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006647اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا [ أَيْ دَلِيلًا حَاذِقًا عَالِمًا بِالطُّرُقِ . الْحَدِيثَ ] وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا " . وَحَدِيثُ جَابِرٍ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006648أَنَّهُ بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ " . وَمَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالشَّرْطِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْأَجْرِ .
وَشُبْهَةُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ : أَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ فِيهَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ كَالْحَالِ فِي الْأَعْيَانِ الْمَحْسُوسَةِ ، وَالْمَنَافِعُ فِي الْإِجَارَاتِ فِي وَقْتِ الْعَقْدِ مَعْدُومَةٌ ، فَكَانَ ذَلِكَ غَرَرًا وَمِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ . وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً فِي حَالِ الْعَقْدِ فَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْغَالِبِ ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا لَحَظَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ مَا يُسْتَوْفَى فِي الْغَالِبِ ، أَوْ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتِيفَائِهِ عَلَى السَّوَاءِ .
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ .
[ فِي أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ ، وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ ، وَالْفَسَادِ ] .
وَهَذَا الْقِسْمُ النَّظَرُ فِيهِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ ، وَجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَكُونُ الثَّمَنُ مُقَابِلًا لَهُ ، وَصِفَتِهَا .
فَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6054الثَّمَنُ : فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْبُيُوعِ .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6070الْمَنْفَعَةُ : فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا لَمْ يَنْهَ الشَّرْعُ عَنْهُ ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ مَسَائِلُ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِيهَا :
فَمِمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى إِبْطَالِ إِجَارَتِهِ : كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ لِشَيْءٍ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ ، كَذَلِكَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ ، مِثْلُ أَجْرِ النَّوَائِحِ ، وَأَجْرِ الْمُغَنِّيَاتِ ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرْعِ مِثْلُ الصَّلَاةِ ، وَغَيْرِهَا ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِجَارَةِ الدُّورِ ، وَالدَّوَابِّ ، وَالنَّاسِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ وَالْبُسُطُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي إِجَارَةِ الْأَرَضِينَ ، وَفِي إِجَارَةِ الْمِيَاهِ ، وَفِي nindex.php?page=treesubj&link=6089_22712إِجَارَةِ الْمُؤَذِّنِ ، وَفِي nindex.php?page=treesubj&link=6089_18624الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَفِي إِجَارَةِ نَزْوِ الْفُحُولِ .
فَأَمَّا كِرَاءُ الْأَرَضِينَ : فَاخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا : فَقَوْمٌ لَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ بَتَّةً ، وَهُمُ الْأَقَلُّ ، وَبِهِ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ nindex.php?page=showalam&ids=11947وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِجَوَازِ ذَلِكَ .
وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ كِرَاؤُهَا :
فَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ فَقَطْ ، وَهُوَ مَذْهَبُ رَبِيعَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : يَجُوزُ nindex.php?page=treesubj&link=6060كِرَاءُ الْأَرْضِ بِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الطَّعَامَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ الْخَارِجِ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَمَا عَدَا مَا يَنْبُتُ فِيهَا كَانَ طَعَامًا ، أَوْ غَيْرَهُ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ .
[ ص: 576 ] وَقَالَ آخَرُونَ : يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا عَدَا الطَّعَامَ فَقَطْ .
وَقَالَ آخَرُونَ : يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِكُلِّ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مَا لَمْ يَكُنْ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الطَّعَامِ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ nindex.php?page=showalam&ids=15959سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَهُوَ قَوْلُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَبِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ .
وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِحَالٍ : مَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِسَنَدِهِ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006649أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ " ، قَالُوا : وَهَذَا عَامٌّ ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا رَوَى مَالِكٌ مِنْ تَخْصِيصِ الرَّاوِي لَهُ حِينَ رَوَى عَنْهُ ، قَالَ حَنْظَلَةُ : فَسَأَلْتُ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ، عَنْ كِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ . وَرُوِيَ هَذَا عَنْ رَافِعِ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، وَأُخِذَ بِعُمُومِهِ ، وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ قَبْلُ يُكْرِي أَرْضَهُ فَتَرَكَ ذَلِكَ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يُخَصَّصُ الْعُمُومُ بِقَوْلِ الرَّاوِي .
وَرُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ ابْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِجَارَةِ الْأَرَضِينَ " .
قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13332أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ضَمْرَةَ ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006651مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا ، أَوْ لِيُزْرِعْهَا ، وَلَا يُؤَاجِرْهَا " .
فَهَذِهِ هِيَ جُمْلَةُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَ الْأَرْضِ . وَقَالُوا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى : إِنَّهُ لَمْ يَجُزْ كِرَاؤُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ; لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ أَنْ يُصِيبَ الزَّرْعَ جَائِحَةٌ مِنْ نَارٍ ، أَوْ قَحْطٍ ، أَوْ غَرَقٍ ، فَيَكُونُ قَدْ لَزِمَهُ كِرَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ .
قَالَ الْقَاضِي : وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا إِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ قَصْدُ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الْأَرْضِ كَمَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا أَصْلَا الْخِلْقَةِ .
وَأَمَّا عُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ : فَحَدِيثُ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006652إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَيَزْرَعُهَا ، وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ ، وَرَجُلٌ اكْتَرَى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ " . قَالُوا : فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَدَّى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَالْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ مُطْلَقَةٌ وَهَذَا مُقَيَّدٌ ، وَمِنَ الْوَاجِبِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ .
وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ nindex.php?page=treesubj&link=6060كِرَاءَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الطَّعَامَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ مُدَّخَرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ : حَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=17389يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=16049سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006653مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا ، أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ ، وَلَا يُكْرِهَا بِثُلُثٍ ، وَلَا رُبْعٍ ، وَلَا بِطَعَامٍ مُعَيَّنٍ " . قَالُوا : وَهَذَا هُوَ nindex.php?page=treesubj&link=4708مَعْنَى الْمُحَاقَلَةِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا ، وَذَكَرُوا حَدِيثَ nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَرْفُوعًا ، وَفِيهِ : وَالْمُحَاقَلَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ . قَالُوا : وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً .
وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِالطَّعَامِ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا : أَمَّا بِالطَّعَامِ : فَحُجَّتُهُ حُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِالطَّعَامِ . وَأَمَّا حُجَّتُهُ عَلَى مَنْعِ كِرَائِهَا مِمَّا تَنْبُتُ : فَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُخَابَرَةِ . قَالُوا : وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكُلِّ أَصْحَابِهِ .
[ ص: 577 ] وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ nindex.php?page=treesubj&link=6060كِرَاءَهَا بِجَمِيعِ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا : أَنَّهُ كِرَاءُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ، فَجَازَ قِيَاسًا عَلَى إِجَارَةِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ ، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ ضَعَّفُوا أَحَادِيثَ رَافِعٍ . رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=15959سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : اكْتَرَى رَافِعٌ . قَالُوا : وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ مَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا سَائِرُهَا قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006654كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا ، قَالَ : وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ وَيَقُولُ : هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهَذِهِ لَكَ ، وَرُبَّمَا أَخْرَجْتَ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَّجَهُ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا : فَعُمْدَتُهُ النَّظَرُ وَالْأَثَرُ :
أَمَّا الْأَثَرُ : فَمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ ، وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006655نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ رِفْقًا بِنَا ، فَقُلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ ، قَالَ : " دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ ؟ قُلْنَا : نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبْعِ ، وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ ، وَالشَّعِيرِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَفْعَلُوا ، ازْرَعُوهَا ، أَوْ زَارِعُوهَا ، أَوْ أَمْسِكُوهَا " . وَهَذَا الْحَدِيثُ اتَّفَقَ عَلَى تَصْحِيحِهِ الْإِمَامَانِ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ كِرَاءَهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا : فَعُمْدَتُهُ حَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتُ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006656أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ ، وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى نِصْفِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَالثَّمَرَةُ " . قَالُوا : وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوْلَى مِنْ أَحَادِيثِ رَافِعٍ ; لِأَنَّهَا مُضْطَرِبَةُ الْمُتُونِ ، وَإِنْ صَحَّتْ أَحَادِيثُ رَافِعٍ حَمَلْنَاهَا عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى الْحَظْرِ ، بِدَلِيلِ مَا خَرَّجَهُ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا ، وَلَكِنْ قَالَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=1006657إِنْ يَمْنَحْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَكُنْ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا " . قَالُوا : وَقَدْ قَدِمَ nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْيَمَنَ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُخَابِرُونَ فَأَقَرَّهُمْ .
وَأَمَّا إِجَارَةُ الْمُؤَذِّنِ : فَإِنَّ قَوْمًا لَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ بَأْسًا; وَقَوْمًا كَرِهُوا ذَلِكَ .
وَالَّذِينَ كَرِهُوا ذَلِكَ وَحَرَّمُوهُ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=61عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006659اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا " .
وَالَّذِينَ أَبَاحُوهُ قَاسُوهُ عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ ( أَعْنِي : هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ؟ ) .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6089_18624الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ : فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا ، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ ، وَأَجَازَهُ آخَرُونَ .
وَالَّذِينَ أَبَاحُوهُ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ : " أَقْبَلْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَقَالُوا : إِنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ دَوَاءٌ أَوْ رُقْيَةٌ ، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَعْتُوهًا فِي الْقُيُودِ ، فَقُلْنَا لَهُمْ : نَعَمْ ، فَجَاءُوا بِهِ ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً ، وَعَشِيَّةً أَجْمَعُ بِرِيقِي ، ثُمَّ أَتْفُلُ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا ، فَقُلْتُ : لَا ، حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006660كُلْ فَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ ، فَلَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ " . وَبِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006661أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي غَزَاةٍ ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَقَالُوا : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَاقٍ ، فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ قَدْ لُدِغَ ، أَوْ قَدْ عُرِضَ لَهُ ، قَالَ : فَرَقِيَهُ رَجُلٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرِئَ ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنَ الْغَنَمِ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : بِمَ [ ص: 578 ] رَقَيْتَهُ ؟ قَالَ : بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، قَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ؟ قَالَ : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ فِيهَا بِسَهْمٍ " .
وَأَمَّا الَّذِينَ كَرِهُوا الْجُعْلَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَقَالُوا : هُوَ مِنْ بَابِ nindex.php?page=treesubj&link=6089الْجُعْلِ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ . قَالُوا : وَلَمْ يَكُنِ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرَّقْيِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّقْيُ بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا جَائِزٌ كَالْعِلَاجَاتِ . قَالُوا : وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى النَّاسِ ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6066إِجَارَةُ الْفُحُولِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالدَّوَابِّ : فَأَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ فَحْلَهُ عَلَى أَنْ يَنْزَوَ أَكْوَامًا مَعْلُومَةً ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ : مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ; وَمَنْ أَجَازَهُ شَبَّهَهُ بِسَائِرِ الْمَنَافِعِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ; لِأَنَّهُ تَغْلِيبُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ .
nindex.php?page=treesubj&link=6066وَاسْتِئْجَارُ الْكَلْبِ أَيْضًا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ .
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ يَشْتَرِطُ فِي جَوَازِ nindex.php?page=treesubj&link=6069اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَقَوِّمَةً عَلَى انْفِرَادِهَا ، فَلَا يَجُوزُ nindex.php?page=treesubj&link=6069اسْتِئْجَارُ تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ ، وَلَا طَعَامٍ لِتَزْيِينِ الْحَانُوتِ; إِذْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ لَيْسَ لَهَا قِيَمٌ عَلَى انْفِرَادِهَا ، فَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَلَا عِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُ الْمَذْهَبِ فِي إِجَارَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ .
وَبِالْجُمْلَةِ : كُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ : فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يَصِحُّ إِجَارَةُ هَذَا الْجِنْسِ وَهُوَ قَرْضٌ ، وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=13658أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ ، وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مَنْ مَنَعَ إِجَارَتَهَا; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فِيهَا مَنْفَعَةً إِلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهَا; وَمَنْ أَجَازَ إِجَارَتَهَا تَصَوَّرَ فِيهَا مَنْفَعَةً ، مِثْلَ أَنْ يَتَجَمَّلَ بِهَا أَوْ يَتَكَثَّرَ ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِي هَذَا الْبَابِ ، فَهَذِهِ هِيَ مَشْهُورَاتُ مَسَائِلِ الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ .
وَأَمَّا مَسَائِلُ الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ فَهِيَ مَسَائِلُ الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْمَبِيعَاتِ وَمَا لَا يَجُوزُ .
وَمِمَّا وَرَدَ النَّهْيُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006662أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ ، وَعَنْ nindex.php?page=treesubj&link=17380_6093كَسْبِ الْحَجَّامِ ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ " . قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ : وَمَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ هُوَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ دَفْعِ الْقَمْحِ إِلَى الطَّحَّانِ بِجُزْءٍ مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي يَطْحَنُهُ ، قَالُوا : وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ، وَهُوَ اسْتِئْجَارٌ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ بِعَيْنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ ، وَلَا هِيَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ دُيُونًا عَلَى الذِّمَمِ ، وَوَافَقَهُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا . وَقَالَ أَصْحَابُهُ : لَوِ nindex.php?page=treesubj&link=6079اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالطَّحَّانَ بِالنُّخَالَةِ ، أَوْ بِصَاعٍ مِنَ الدَّقِيقِ فَسَدَ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ جَائِزٌ; لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ ، وَأُجْرَةُ الطَّحَّانِ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَهُوَ مَعْلُومٌ أَيْضًا .
وَأَمَّا nindex.php?page=treesubj&link=6093_17380كَسْبُ الْحَجَّامِ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهِ ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا : كَسْبُهُ رَدِيءٌ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مُبَاحٌ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ :
[ ص: 579 ] فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ حَرَامٌ : احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنَ السُّحْتِ كَسْبُ الْحَجَّامِ " ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006664حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبَ الْحَجَّامِ " . وَرُوِيَ nindex.php?page=hadith&LINKID=1006665عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=16733عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : اشْتَرَى أَبِي حَجَّامًا فَكَسَرَ مَحَاجِمَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَتِ لِمَ كَسَرْتَهَا ؟ فَقَالَ : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ " .
وَأَمَّا مَنْ رَأَى إِبَاحَةَ ذَلِكَ : فَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ nindex.php?page=hadith&LINKID=1006666عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " nindex.php?page=treesubj&link=6093_17380_32185احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ " قَالُوا : وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006667أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أَبَا طَيْبَةَ فَحَجَمَهُ ، فَسَأَلَهُ : كَمْ ضَرِيبَتُكَ ؟ فَقَالَ : ثَلَاثَةُ آصُعٍ ، فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعًا " . وَعَنْهُ أَيْضًا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006668أَنَّهُ أَمَرَ لِلْحَجَّامِ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ ، وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ " .
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِكَرَاهِيَتِهِ : فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ ، أَوْ رَافِعَ بْنَ رَفَاعَةٍ جَاءَ إِلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006669نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نُطْعِمَهُ نَاضِحَنَا " . وَبِمَا رُوِيَ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006670عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ كَانَ لَهُ حَجَّامٌ ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ عَادَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ عَادَ فَنَهَاهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْلِفْ كَسْبَهُ نَاضِحَكَ ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ " . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا اخْتِلَافُهُمْ فِي nindex.php?page=treesubj&link=6060إِجَارَةِ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى : فَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَعَلَّهُ رَآهَا مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، فَهَذِهِ مَشْهُورَاتُ مَسَائِلِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ وَبِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ .
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْصَافِهَا فَنَذْكُرُ أَيْضًا الْمَشْهُورَ مِنْهَا :
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ جُمْهُورَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ اتَّفَقُوا بِالْجُمْلَةِ أَنَّ مِنْ nindex.php?page=treesubj&link=6114_6122شَرْطِ الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ ، وَذَلِكَ إِمَّا بِغَايَتِهَا مِثْلَ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ ، وَعَمَلِ الْبَابِ ، وَإِمَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا غَايَةٌ مِثْلَ خِدْمَةِ الْأَجِيرِ ، وَذَلِكَ إِمَّا بِالزَّمَانِ إِنْ كَانَ عَمَلًا وَاسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ مُتَّصِلَةِ الْوُجُودِ مِثْلَ كِرَاءِ الدُّورِ ، وَالْحَوَانِيتِ ، وَإِمَّا بِالْمَكَانِ إِنْ كَانَ مَشْيًا مِثْلَ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ . وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ ، وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى جَوَازِ إِجَارَاتِ الْمَجْهُولَاتِ مِثْلَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ حِمَارَهُ لِمَنْ يَسْقِي عَلَيْهِ أَوْ يَحْتَطِبُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ .
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ : أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ فَامْتُنِعَ فِيهَا مِنَ الْجَهْلِ - لِمَكَانِ الْغَبْنِ - مَا امْتُنِعَ فِي الْمَبِيعَاتِ .
وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي .
بِقِيَاسِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْقِرَاضَ ، وَالْمُسَاقَاةَ مُسْتَثْنَيَانِ بِالسُّنَّةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا لِخُرُوجِهِمَا عَنِ الْأُصُولِ .
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُمَا إِذَا ضُرِبَا لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ أَمَدًا مِنَ الزَّمَانِ مَحْدُودًا ، وَحَدَّدُوا أَيْضًا أَوَّلَ ذَلِكَ الْأَمَدِ ، وَكَانَ أَوَّلُهُ عَقِبَ الْعَقْدِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ . وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يُحَدِّدُوا أَوَّلَ الزَّمَانِ أَوْ حَدَّدُوهُ وَلَمْ يَكُنْ عَقِبَ الْعَقْدِ ، فَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ إِذَا حُدِّدَ الزَّمَانُ وَلَمْ يُحَدَّدْ أَوَّلُهُ ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : nindex.php?page=treesubj&link=6117اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِكَذَا أَوْ شَهْرًا بِكَذَا ، وَلَا يَذْكُرُ أَوَّلَ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَلَا أَوَّلَ تِلْكَ السَّنَةِ . وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ ، وَيَكُونُ أَوَّلُ الْوَقْتِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ . فَمَنَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ; لِأَنَّهُ غَرَرٌ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ .
[ ص: 580 ] وَكَذَلِكَ لَمْ يُجِزِ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ أَوَّلُ الْعَقْدِ مُتَرَاخِيًا عَنِ الْعَقْدِ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ . وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ ، وَالتَّغْيِيرِ فِيمَا بَعْدُ مِنَ الزَّمَانِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ فِي مِقْدَارِ الزَّمَانِ الَّذِي تُقَدَّرُ بِهِ هَذِهِ الْمَنَافِعُ; فَمَالِكٌ يُجِيزُ ذَلِكَ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ ، مِثْلَ أَنْ يَكْرِيَ الدَّارَ لِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ ، أَوْ أَكْثَرَ ، مِمَّا لَا تَتَغَيَّرُ الدَّارُ فِي مِثْلِهِ .
وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ .
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، nindex.php?page=showalam&ids=12873وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي أَرْضِ الْمَطَرِ ، وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ ، وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْآبَارِ ، وَالْأَنْهَارِ : فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا الْكِرَاءَ بِالسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ . وَفَصَلَ nindex.php?page=showalam&ids=12873ابْنُ الْمَاجِشُونِ ، فَقَالَ : لَا يَجُوزُ nindex.php?page=treesubj&link=6112الْكِرَاءُ فِي أَرْضِ الْمَطَرِ إِلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ فَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إِلَّا لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ ، وَأَرْبَعَةٍ ، وَأَمَّا أَرْضُ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا لِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَقَطْ . فَالِاخْتِلَافُ هَاهُنَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : فِي تَحْدِيدِ أَوَّلِ الْمُدَّةِ ، وَفِي طُولِهَا ، وَفِي بُعْدِهَا عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ إِذَا لَمْ يُحَدِّدِ الْمُدَّةَ ، وَحَدَّدَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ; مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : nindex.php?page=treesubj&link=6117أَكْتَرِي مِنْكَ هَذِهِ الدَّارَ الشَّهْرَ بِكَذَا ، وَلَا يَضْرِبَانِ لِذَلِكَ أَمَدًا مَعْلُومًا ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ . وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ : يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ : أَبِيعُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِحِسَابِ الْقَفِيزِ بِدِرْهَمٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : اعْتِبَارُ الْجَهْلِ الْوَاقِعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ : هَلْ هُوَ مِنَ الْغَرَرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَوِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؟
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ : أَجَازَهُ مَالِكٌ ، وَمَنَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْبَيْعِ إِلَّا الْإِجَارَةَ فَقَطْ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي nindex.php?page=treesubj&link=6099إِجَارَةِ الْمُشَاعِ : فَقَالَ مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : هِيَ جَائِزَةٌ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَجُوزُ; لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْإِشَاعَةِ مُتَعَذِّرٌ; وَعِنْدَ مَالِكٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ مَعَ شَرِيكِهِ كَانْتِفَاعِ الْمُكْرِي بِهَا مَعَ شَرِيكِهِ ( أَعَنَى : رَبَّ الْمَالِ ) .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ nindex.php?page=treesubj&link=6099_12872اسْتِئْجَارُ الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ ، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ : فَمَنَعَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ : ( أَعْنِي : فِي كُلِّ أَجِيرٍ ) ; وَأَجَازَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الظِّئْرِ فَقَطْ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : هَلْ هِيَ إِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ ، أَمْ لَيْسَتْ مَجْهُولَةً ؟ فَهَذِهِ هِيَ شَرَائِطُ الْإِجَارَةِ الرَّاجِعَةُ إِلَى الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ .
وَأَمَّا أَنْوَاعُ الْإِجَارَةِ : فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : nindex.php?page=treesubj&link=6058إِجَارَةُ مَنَافِعِ أَعْيَانٍ مَحْسُوسَةٍ ، nindex.php?page=treesubj&link=6078وَإِجَارَةُ مَنَافِعَ فِي الذِّمَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ . وَالَّذِي فِي الذِّمَّةِ مِنْ شَرْطِهِ الْوَصْفُ ، وَالَّذِي فِي الْعَيْنِ مِنْ شَرْطِهِ الرُّؤْيَةُ أَوِ الصِّفَةُ عِنْدَهُ كَالْحَالِ فِي الْمَبِيعَاتِ . وَمِنْ شَرْطِ الصِّفَةِ عِنْدَهُ : ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ ، وَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُسْتَوْفَى مَنَافِعُهُ ، وَفِي الشَّيْءِ الَّذِي تُسْتَوْفَى بِهِ مَنَافِعُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الْمَرْكُوبِ مَثَلًا ، وَالْجَمَلُ الَّذِي تُسْتَوْفَى بِهِ مَنْفَعَةُ الْمَرْكُوبِ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُوصَفَ ، وَعِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصْفِ ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّاعِيَ عَلَى غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ اشْتِرَاطُ الْخُلْفِ . وَعِنْدَ غَيْرِهِ تَلْزَمُ الْجُمْلَةُ بِغَيْرِ شَرْطٍ .
[ ص: 581 ] وَمِنْ nindex.php?page=treesubj&link=6082شَرْطِ إِجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يُعَجَّلَ النَّقْدُ عِنْدَ مَالِكٍ لِيَخْرُجَ مِنَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ; كَمَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ nindex.php?page=treesubj&link=6060إِجَارَةِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ السَّقْيِ عِنْدَهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا النَّقْدُ إِلَّا بَعْدَ الرَّيِّ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْكِرَاءِ : هَلْ يَدْخُلُ فِي أَنْوَاعِهِ الْخِيَارُ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنَ الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ وَالْمُعَيَّنِ .
وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ .
فَهَذِهِ هِيَ الْمَشْهُورَاتُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَهُوَ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى النَّظَرِ فِي مَحَالِّ هَذَا الْعَقْدِ وَأَوْصَافِهِ وَأَنْوَاعِهِ ، وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَجْرِي مِنْ هَذَا الْعَقْدِ مَجْرَى الْأَرْكَانِ ، وَبِهَا يُوصَفُ الْعَقْدُ إِذَا كَانَ عَلَى الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ بِالصِّحَّةِ ، وَبِالْفَسَادِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي ، وَهُوَ أَحْكَامُ هَذَا الْعَقْدِ .