الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 594 ] بسم الله الرحمن الرحيم .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

كتاب المساقاة .

القول في المساقاة :

أما أولا : ففي جوازها .

والثاني : في معرفة الفساد والصحة فيها .

والثالث : في أحكامها .

القول في جواز المساقاة .

فأما جوازها : فعليه جمهور العلماء مالك ، والشافعي ، والثوري ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، وأحمد ، وداود ، وهي عندهم مستثناة بالسنة من بيع ما لم يخلق ، ومن الإجارة المجهولة .

وقال أبو حنيفة : لا تجوز المساقاة أصلا . وعمدة الجمهور في إجازتها : حديث ابن عمر الثابت : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر ، وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها " ، خرجه البخاري ومسلم . وفي بعض رواياته : " أنه صلى الله عليه وسلم ساقاهم على نصف ما تخرجه الأرض ، والثمرة " . وما رواه مالك أيضا من مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر : " أقركم على ما أقركم الله على أن التمر بيننا وبينكم " . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ، ثم يقول : " إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي " ، وكذلك مرسله أيضا عن سليمان بن يسار في معناه .

وأما أبو حنيفة ، ومن قال بقوله : فعمدتهم مخالفة هذا الأثر للأصول مع أنه حكم مع اليهود ، واليهود يحتمل أن يكون أقرهم على أنهم عبيد ، ويحتمل أن يكون أقرهم على أنهم ذمة ، إلا أنا إذا أنزلنا أنهم ذمة كان مخالفا للأصول; لأنه بيع ما لم يخلق ، وأيضا فإنه من المزابنة ، ( وهو بيع التمر بالتمر متفاضلا ) ; لأن القسمة بالخرص بيع الخرص ، واستدلوا على مخالفته للأصول بما روي في حديث عبد الله بن رواحة أنه كان يقول لهم عند الخرص : " إن شئتم فلكم وتضمنون نصيب المسلمين ، وإن شئتم فلي وأضمن نصيبكم " . وهذا حرام بإجماع . وربما قالوا إن النهي الوارد عن المخابرة هو ما كان من هذا الفعل بخيبر . والجمهور يرون أن المخابرة هي كراء الأرض ببعض ما يخرج منها ، قالوا : ومما يدل على نسخ هذا الحديث ، أو أنه خاص باليهود ما ورد من حديث رافع ، وغيره من النهي عن كراء الأرض بما يخرج منها; لأن المساقاة تقتضي جواز ذلك ، وهو خاص أيضا في بعض روايات أحاديث المساقاة ، ولهذا المعنى لم يقل بهذه الزيادة مالك ، ولا الشافعي ( أعني : بما جاء من : " أنه صلى الله عليه وسلم ساقاهم على نصف ما تخرجه الأرض والثمرة " ) . وهي زيادة صحيحة وقال بها أهل الظاهر .

[ ص: 595 ] القول في صحة المساقاة .

والنظر في الصحة راجع إلى النظر في أركانها ، وفي وقتها ، وفي شروطها المشترطة في أركانها .

وأركانها أربعة : المحل المخصوص بها . والجزء الذي تنعقد عليه . وصفة العمل الذي تنعقد عليه . والمدة التي تجوز فيها وتنعقد عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية