الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          سجع على قوله تعالى :

          قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم

          سبحان من أخرج هذا السيد من آزر ثم أعانه بالتوفيق فقصد وآزر ، ثم بعث إليه البيان فأعان ووازر ، فلما رأيناه قد رحل عن المنجنيق وسافر ولم يتزود إلا التسليم ، قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          عبد بذل نفسه لنا فبلغناه منا المنى ، وعرفناه المناسك عند البيت ومنى ، ولما رمي في النار لأجلنا قلنا له بلسان التفهيم : كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          قدم ماله إلى الضيفان ، وسلم ولده إلى القربان ، واستسلم للرمي في النيران ، فلما رأينا محبنا في بيداء الوجد يهيم قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          ابتليناه بكلمات فأتمهن ، وأريناه قدرتنا يوم فصرهن وكسر الأصنام غيرة لنا منهن ، فلما أججت النيران ذهبت بلطفنا حرارتهن ، وغرسنا شجر الجنة في سواء الجحيم قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          بنوا له بنيانا إلى سفح جبل ، واحتطب من أجله من شرب وأكل ، وألقوه فيها وقالوا قد اشتعل ، فخرج نمرود ينظر ماذا فعل ، وقد خرج توقيع القدم من القديم : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          اعترضه وتعرض لحوائجه الملك ، حين قطع بيداء الهوى وسلك ، فقال له بلسان الحال : معي من ملك إياك والتعريض بما ليس لك ، فلما لم يتعلق بخلق دوني إذ أضيم قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          تعرضت له الأملاك فكفها كفا ، فلما رأيناه لا يمد إلى غيرنا كفا ، مدحناه ويكفي في مدحنا له الذي وفى واجتمع الخلائق صفا ينظرون من صفا ، فلما أتانا في وقت القلب بقلب سليم : قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          [ ص: 101 ] تنح يا جبريل فماذا موضع زحمة وخلني وخليلي فإليه الرحمة ، وهل بذلت له إلا لحمة تبلى أو شحمة ، فلما وطن نفسه على أن يصير فحمة ، وحوشي من ذاك الكريم قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          كانت الملائكة تدعي الفناء بالطاعة فخرج هاروت وماروت فخسرت البضاعة وشاهدوا يوم الخليل ما ليس لهم به استطاعة ، رأى ما رأى وما أزعجه ولا راعه ، فلما رأيناه ساكنا والأملاك في مقعد مقيم قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          قابل القوم رسولنا بأقبح تكذيب ، وقصدوا خليلنا بأشد تعذيب ، ونسوا يوم الفزع والتأنيب ، والخليل سره صاف والحال مستقيم قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

          اللهم إنا نتوسل إليك بالخليل في منزلته ، والحبيب في رتبته ، وكل مخلص في طاعته أن تغفر لكل منا زلته يا كريم برحمتك يا أرحم الراحمين .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية