الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله تعالى :

          سبحان الذي أسرى بعبده ليلا


          معنى التسبيح : التنزيه عن كل سوء . واعلم أن الله تعالى سبح نفسه عند كل عظيم لما كان اختلاف الليل والنهار من عجائب الأمور ومما لا يقدر عليه غيره ، ثم ادعى المشركون وجود شريك معه نزه نفسه عن ذلك فقال : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ولما اختار عائشة لنبيه فقذفت سبح نفسه أن يختار للمختار إلا خيرة فقال : سبحانك هذا بهتان عظيم ولما أسرى بنبيه صلى الله عليه وسلم فكذبه الكفار سبح نفسه لأن قدرته لا تعجز . والمنعم عليه بذلك أهل فقال : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .

          وأسرى بمعنى سير عبده . ويقال : سريت وأسريت ، إذا سرت ليلا . وقد جاءت اللغتان في القرآن . قال تعالى : والليل إذا يسر .

          والمراد بعبده ها هنا : محمد صلى الله عليه وسلم .

          قوله سبحانه وتعالى : من المسجد الحرام فيه قولان :

          أحدهما أنه من نفس المسجد قاله الحسن وقتادة ويؤيده ما ذكرنا في حديث مالك بن صعصعة : " بينا أنا في الحطيم أو في الحجر " .

          الثاني : أنه أسري به من بيت أم هانئ . ذكر جماعة من المفسرين فعلى هذا يعني بالمسجد الحرام والحرم كله مسجد .

          وأما المسجد الأقصى فهو بيت المقدس . وقيل له الأقصى لبعد المسافة بين المسجدين . ومعنى باركنا حوله أن الله تعالى أجرى الأنهار وأنبت الأشجار . وقيل [ ص: 440 ] إنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة . قال أبو هريرة دخل بيت المقدس وصلى فيه بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء .

          واعلم أن الإسراء كان إلى بيت المقدس والمعراج من هنالك إلى السماء ، وإنما جعل كذلك لأربعة فوائد :

          الفائدة الأولى : أنه لو أخبر بصعوده إلى السماء في بدء الحديث لاشتد إنكارهم ولو وصفها لهم لم يكن عندهم علم بذلك ، فلما أخبرهم ببيت المقدس ووصفه لهم دل صدقه في ذلك على صدقه في حديث المعراج .

          وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه " . وروى عروة عن عائشة قالت لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يحدث الناس بذلك فسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر فقالوا : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ؟ قال : وقد قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : تصدقه أنه ذهب إلى الشام في ليلة وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم إني لأصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة . فلذلك سمي أبو بكر الصديق .

          الفائدة الثانية : أنه سيره في الأرض يستأنس ثم درج إلى الصعود إلى السماء ، فهو نظير قوله : وما تلك بيمينك يا موسى فلما أنس بالخطاب حمل الرسالة إلى فرعون .

          الفائدة الثالثة : أن الأنبياء جمعوا هنالك فصلى بهم فبان فضله بالتقديم عليهم في دار التكليف . وكان ائتمامهم به مشيرا إلى نسخ شرائعهم بشرعه .

          الفائدة الرابعة : أنه مر بالنواحي التي كلم عندها موسى ، ثم صعد فكلم في السماوات ليظهر التفاوت بتقديمه .

          ومذهب أهل السنة أنه رأى ربه ليلة المعراج . وقد ذكرنا ذلك عن ابن عباس وكعب .

          أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ربي تبارك وتعالى " .

          [ ص: 441 ] وقد تعلق من أنكر ذلك بإنكار عائشة أن يكون رآه . والجواب من ثلاثة أوجه :

          أحدها : أنه رأي منها لا رواية ، فلا يقاوم رواية من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " رأيت ربي " .

          والثاني : أنها نفت والعمل على الإثبات .

          والثالث : أنها كانت في زمن المعراج صغيرة ولم تكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقول الرجال العلماء من الصحابة مقدم .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية