الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          سجع على قوله تعالى :

          إني جزيتهم اليوم بما صبروا

          لله أقوام امتثلوا ما أمروا
          ، وزجروا عن الزلل فانزجروا ، فإذا لاحت الدنيا غابوا وإذا بانت الأخرى حضروا ، فلو رأيتهم في القيامة إذا حشروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          جن عليهم الليل فسهروا ، وطالعوا صحف الذنوب فانكسروا ، وطرقوا باب المحبوب [ ص: 171 ] واعتذروا وبالغوا في المطلوب ثم حذروا فانظر بماذا وعدوا في الذكر وذكروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          ربحوا والله وما خسروا ، وعاهدوا على الزهد فما غدروا ، واحتالوا على نفوسهم فملكوا وأسروا وتفقدوا أنه المولى فاعترفوا وشكروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          بيوتهم في خلوها كالصوامع ، وعيونهم تنظر بالتقى من طرف خاشع والأجفان قد سحت سحب المدامع تسقي بذر الفكر الذي بذروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          استوحشوا من كل جليس ، شغلا بالمعنى النفيس ، وزموا مطايا الجد فسارت العيس ، وبادروا الفرصة ففاتوا إبليس ، لا وقفوا ولا فتروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          قلوب في الخدمة حضرت ، أسرار بالصدق عمرت ، كم شهوة في صدورهم انكسرت ، أخبارهم تحيي القلوب إذا نشرت ، ويقال عن القوم إذا نشروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          جدوا فليس فيهم من يلعب ، ورفضوا الدنيا فتركوها تخرب ، وأذابوا قلوبهم بقلة المطعم والمشرب ، فغدا يقال : كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب ، أذكارهم في الحياة وإن كانوا قبروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          علموا أن الدنيا لعب ولهو وزينة ، وأن من وافق مرادها فارق دينه ، فحذروا من غرور يجدي غبينة ، فركبوا من التقى في سفينة أشحنوها بالزاد وعبروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          طوبى لهم والأملاك تتلقاهم ، كشف الحجاب عن عيونهم فأراهم ، هذا أقصى آمالهم وقد ظفروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          بلغنا الله ذلك المبلغ وأسمعنا زجر الناصح فقد أبلغ ، وسترنا من العقاب فإنه إن عفا أسبغ ، ولولا عونه ما قدروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية