الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا محمد بن عبد الله ، ثنا الحسن بن علي بن نصر الطوسي ، ثنا محمد بن عبد الكريم العبدي ، ثنا الهيثم بن عدي ، ثنا ثور بن يزيد ، ثنا خالد بن معدان ، قال : استعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي ، فلما قدم عمر بن الخطاب حمص ، قال : يا أهل حمص كيف وجدتم عاملكم ؟ فشكوه إليه - وكان يقال لأهل حمص : الكويفة الصغرى ، لشكايتهم العمال - قالوا : نشكو أربعا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ، قال : أعظم بها ، قال : وماذا ؟ قالوا : لا يجيب أحدا بليل ، قال : وعظيمة ، قال : وماذا ؟ قالوا : وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا ، قال : عظيمة ، قال : وماذا ؟ قالوا : يغنظ الغنظة بين الأيام - يعني تأخذه موتة - قال : فجمع عمر بينهم وبينه ، وقال : اللهم لا تفيل رأيي فيه اليوم ، ما تشكون منه ؟ قالوا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ، قال : والله إن كنت لأكره ذكره ، ليس لأهلي خادم فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم . فقال : ما تشكون منه ؟ قالوا : لا يجيب أحدا [ ص: 246 ] بليل ، قال : ما تقول ؟ قال : إن كنت لأكره ذكره ، إني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله عز وجل ، قال : وما تشكون ؟ قالوا : إن له يوما في الشهر لا يخرج إلينا فيه . قال : ما تقول ؟ قال : ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها ، فأجلس حتى تجف ثم أدلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار . قال : ما تشكون منه ؟ قالوا : يغنظ الغنظة بين الأيام ، قال : ما تقول ؟ قال : شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة ، وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة . فقالوا : أتحب أن محمدا مكانك ؟ فقال : والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمدا صلى الله عليه وسلم شيك بشوكة ، ثم نادى يا محمد ، فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي بذلك الذنب أبدا ، قال : فتصيبني تلك الغنظة . فقال عمر : الحمد لله الذي لم يفيل فراستي ، فبعث إليه بألف دينار ، وقال : استعن بها على أمرك ، فقالت امرأته : الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك . فقال لها : فهل لك في خير من ذلك ؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها . قالت : نعم ، فدعا رجلا من أهل بيته يثق به فصررها صررا ثم قال : انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان ، وإلى يتيم آل فلان ، وإلى مسكين آل فلان ، وإلى مبتلى آل فلان . فبقيت منها ذهبية . فقال : أنفقي هذه ، ثم عاد إلى عمله ، فقالت : ألا تشتري لنا خادما ؟ ما فعل ذلك المال ؟ قال : سيأتيك أحوج ما تكونين .

              كذا رواه حسان وخالد بن معدان مرسلا موقوفا ، ووصله مرفوعا يزيد بن أبي زياد وموسى الصغير ، عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية