الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو محمد بن حبان ، ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ، ثنا شيبان ، وثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، ثنا عبد الصمد ، ثنا أبو الأشهب ، عن الحسن - أو غيره - شك أبو الأشهب ، ولم يذكر أحمد بن حنبل الشك ، فقال : عن الحسن ، قال : مر عمر - رضي الله تعالى عنه - على مزبلة فاحتبس عندها ، فكأن أصحابه تأذوا بها فقال : هذه دنياكم التي تحرصون عليها ، أو تتكلمون عليها .

              قال الشيخ رحمه الله تعالى : وكان عن فناء الملاذ منتهيا ، ولباقي المعاد مبتغيا ، يلازم المشقات ، ويفارق الشهوات . وقد قيل : إن التصوف حمل النفس على الشدائد ، الذي هو من أشرف الموارد .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبو الهيثم محمد بن يعقوب الربالي ، ثنا عبيد الله بن نمير ، عن ثابت ، عن أنس قال : تقرقر بطن عمر - رضي الله تعالى عنه - وكان يأكل الزيت عام الرمادة ، وكان قد حرم على نفسه السمن ، قال : فنقر بطنه بأصبعه وقال : تقرقر [ما تقرقر] إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، ثنا يزيد بن مروان ، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن مصعب ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قالت حفصة بنت عمر لعمر - رضي الله تعالى عنه - : يا أمير المومنين لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك ، وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك ، فقد وسع الله عز وجل من الرزق وأكثر من الخير ؟ فقال : إني سأخصمك إلى نفسك ، أما تذكرين ما كان يلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شدة العيش ، فما زال يذكرها حتى أبكاها ، فقال لها : والله إن قلت ذلك أما والله [ ص: 49 ] لئن استطعت لأشاركنهما بمثل عيشهما الشديد ، لعلي أدرك معهما عيشهما الرخي .

              حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي ، ثنا الحسن بن المثنى ، ثنا عفان ، ثنا جرير بن حازم ، ثنا الحسن ، أن عمر - رضي الله عنه - قال : والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا ، وأطيبكم طعاما ، وأرقكم عيشا ، وإني والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة ، وعن صلاء وصناب وصلايق ، ولكني سمعت الله عز وجل عير قوما بأمر فعلوه ، فقال : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) الآية .

              حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن سعيد ، ثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن موسى بن سعد ، عن سالم بن عبد الله ، أن عمر بن الخطاب كان يقول : والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ، ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ، ونأمر بالزبيب فينتبذ لنا في الأسعان ، حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا ، وشربنا هذا ، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا ، لأنا سمعنا الله تعالى يقول : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) الآية .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا ابن أبي سهل ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي فروة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : قدم على عمر - رضي الله تعالى عنه - ناس من أهل العراق ، فرأى كأنهم يأكلون تعزيزا ، فقال : هذا يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم ، ولكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا ، أما سمعتم الله عز وجل قال لقوم : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) الآية .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن مسلم ، ثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن بعض أصحابه عن عمر . قال : قدم عليه ناس من أهل العراق فيهم جابر بن عبد الله ، قال : فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت ، فقال لهم : خذوا ، فأخذوا أخذا ضعيفا ، فقال لهم عمر : قد أرى ما تقرمون ، فأي شيء تريدون ؟ حلوا وحامضا ، وحارا وباردا ، ثم قذفا في البطون .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني [ ص: 50 ] أبي ، ثنا شجاع بن الوليد ، عن خلف بن حوشب أن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال : نظرت في هذا الأمر فجعلت إذا أردت الدنيا أضر بالآخرة ، وإذا أردت الآخرة أضر بالدنيا ، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن شبل ، ثنا عبد الله بن محمد العبسي ، ثنا عبد الله بن إدريس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن أبي بردة ، قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنهما - : أما بعد : فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته ، وإن أشقى الرعاة عند الله عز وجل من شقيت به رعيته ، وإياك أن ترتع فيرتع عمالك فيكون مثلك عند الله عز وجل مثل البهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن ، وإنما حتفها سمنها ، والسلام عليك .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية