الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن المبارك الصنعاني ، ثنا يزيد بن المبارك ، ثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الزماري ، ثنا القاسم بن معن ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : لما مات معاوية تثاقل عبد الله بن الزبير عن طاعة يزيد بن معاوية وأظهر شتمه ، فبلغ ذلك يزيد فأقسم لا يؤتى به إلا مغلولا ، وإلا أرسل إليه . فقيل لابن الزبير : ألا نصنع لك غلا من فضة تلبس عليه الثوب وتبر قسمه فالصلح أجمل بك؟ قال : لا أبر الله قسمه ، ثم قال :


              ولا ألين لـغـير الـلـه أسـألـه حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

              ثم قال : والله لضربة بسيف في عز أحب إلي من ضربة بسوط في ذل . ثم دعا إلى نفسه وأظهر الخلاف لابن معاوية ، فبعث إليه يزيد حصين بن نمير الكندي ، وقال له : يا ابن برذعة الحمار احذر خدائع قريش ولا تعاملهم إلا بالثقاف ثم القطاف . فورد حصين مكة فقاتل بها ابن الزبير وأحرق الكعبة ، ثم بلغه موت يزيد فهرب ، فلما مات يزيد دعا مروان بن الحكم إلى نفسه ، ثم [ ص: 332 ] مات مروان فدعا عبد الملك إلى نفسه ، فعقد للحجاج في جيش إلى مكة فورد مكة وظهر على أبي قبيس ونصب عليه المنجنيق يرمي به ابن الزبير ومن معه في المسجد ، فلما كان الغداة التي قتل فيها ابن الزبير دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر ، وهي يومئذ ابنة مائة سنة ، لم يسقط لها سن ولم يفسد لها بصر ، فقالت : يا عبد الله ما فعلت في حربك؟ قال : بلغوا مكان كذا وكذا وضحك ، وقال : إن في الموت لراحة . فقالت أسماء : يا بني لعلك تتمناه لي ، ما أحب أن أموت حتى آتي على أحد طرفيك : إما أن تملك فتقر بذلك عيني ، وإما أن تقتل فأحتسبك . ثم ودعها فقالت : يا بني إياك أن تعطي خصلة من دينك مخافة القتل . وخرج عنها فدخل المسجد قيل له : ألا تكلمهم في الصلح؟ فقال : أوحين صلح هذا والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم ، ثم أنشأ يقول :


              ولست بمبـتـاع الـحـياة بـذلة     ولا مرتق من خشية الموت سلما

              ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ، ويقول : ليكن أحدكم سيفه كما يكن وجهه ، ولا ينكسر سيفه فيدفع عن نفسه بيده كأنه امرأة ، والله ما لقيت زحفا قط إلا في الرعيل الأول وما ألمت جرحا قط إلا أن يكون ألم الدواء ، ثم حمل عليهم ومعه سيفان ، فأول من لقيه الأسود فضربه بسيفه حتى أطن رجله ، فقال الأسود : أخ يا ابن الزانية ، فقال له ابن الزبير : اخس يا ابن حام ، أسماء زانية ! ثم أخرجهم من المسجد فما زال يحمل عليهم ويخرجهم من المسجد ويقول : لو كان قرني واحدا كفيته ، قال : وعلى ظهر المسجد من أعوانه من يرمي عدوه بالآجر ، فأصابته آجرة في مفرقه حتى فلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول :


              ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا     ولكن على أقدامنا تقطر الدمـا

              قال : ثم وقع فأكب عليه موليان وهما يقولان : العبد يحمي ربه ويحتمي ، قال : ثم سير إليه فجز رأسه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية