الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          تعريف التاريخ

          في البحث عن المعنى لأي مصطلح أو علم، لا بد من الرجوع إلى اللغة التي ظهر فيها هـذا المصطلح، كجزء من ثقافتها، فما هـو تعريف التاريخ في لغتنا؟. [ ص: 76 ]

          ‎‎ التاريخ لغة يقول الرازي : " التاريخ " و " التوريخ " ، تعريف الوقت. تقول: أرخ الكتاب بيوم كذا، و " ورخه " بمعنى واحد) [1] .

          ولا يعدو هـذا الفرق الإملائي بين الكلمتين (تاريخ) و (توريخ) ، أكثر من كونهما نطقا لمعنى واحد للهجتين عربيتين، لهجة بني تميم ولهجة قيس ، فبنو تميم يقولون: " ورخت الكتاب توريخا " ، وقيس تقول: " أرخته تأريخا " [2] .

          ويتفق الكافيجي والسخاوي مع الرازي في هـذا التعريف، فالتاريخ عند الكافيجي هـو (تعريف الوقت) [3] ، وعند السخاوي هـو (الإعلام بالوقت) [4] .. والتاريخ والتوريخ: (تعريف الوقت) ، عند الجوهري ، ولكنه يلتمس له اشتقاقا فيقول: " وقيل اشتقاقه من الأرخ يعني بفتح الهمز وكسرها، وهو صغار الأنثى من بقر الوحش، لأنه شيء حدث كما يحدث الولد " [5] .

          غير أن هـذا التعسف في اشتقاق الكلمة كان مثار اعتراض من قبل بعضهم، لعدم وجود صلة أو علة بين صغار بقر الوحش وبين التاريخ [6] . [ ص: 77 ]

          وقيل: إن أصل الكلمة (تاريخ) جاء من الكلمة السامية: (أرخو) التي تعني في الأكدية (القمر) ، وفي العبرية (يرح) أو (ياريح) ، التي تعني القمر أيضا [7] .

          إلا أن الشك يكتنف هـذه الرواية؛ لعدم قيام أي دليل على استعمالها في اللغة العربية، إضافة إلى ذلك فإن احتمال استعارة اللغة العربية لهذه الكلمة من الأكدية مستبعد، كما أن وجود الحرف (ي) في الصورة العبرية والآرامية لهذه الكلمة، يجعل الافتراض ليس محتملا، باستعارة الكلمة من العبرية أو الآرامية [8] .

          وفي بحثه عن أصل كلمة تاريخ في العربية يستبعد روزنثال أن تكون هـذه الكلمة مأخوذة من الإثيوبية، إذ لو كانت كذلك لبقيت الكلمة في اللغة الإثيوبية لحد الآن.. كما أنه يستبعد أن تكون الكلمة قد استعملت أو كانت مستعملة في اللهجات العربية الشمالية قبل الإسلام، لعدم وجود مراكز ثقافية متقدمة في تلك الفترة، مما جعله يخلص إلى تغليب الظن باحتمال أن يكون أصلها من العربية الجنوبية [9] .

          ويرجح شاكر مصطفى أن يكون جذر الكلمة (ورخ) جذر سامي، ولكنه مأخوذ من لغة اليمن الجنوبية وليس من كلمة (يرح) أو (ياريح) ، العبرية أو السريانية [10] . [ ص: 78 ]

          وهناك رأي آخر مفاده بأن الكلمة (التاريخ) ، جاءت عن (ماه روز) الفارسية، والتي تعني حساب الشهور، ثم عربت فقالوا: (مورخ) ، وجعلوا مصدرها (التاريخ) [11] .

          غير أن العديد من الباحثين، قد تنبه إلى خطل هـذا الرأي كالشرقاوي [12] ، والعروي [13] ، وروزنثال [14] .

          يصر العروي على عروبة مصطلح التاريخ، فيقول: " إن تأليف التاريخ الإسلامي من إبداع العرب، لقد فشلت المحاولات للعثور على مؤثرات خارجية، يونانية أو فارسية، على غرار ما كشف عنه المنقبون من مؤثرات أجنبية في الفلسفة وعلم الكلام.. ليس التاريخ الإسلامي نقلا أو اقتباسا أو استعارة من الغير.. إن كلمة (تاريخ) كلمة عربية، والكلمة الأجنبية (اسطوريا) التي كان من الممكن استعارتها، استعملت فعلا، لكن في معنى آخر للتعبير عن القصص الخيالية والميثولوجية التي لا تخضع لقوانين المراقبة والفحص والتدقيق، كحوادث التاريخ القريبة أو البعيدة " [15] ‎‎ ويستطرد العروي وبشيء من العاطفة لدعوة العرب في أن يفخروا " إنهم وحدهم شعب تاريخ، والشعوب الأخرى تملك نمطا فقط [ ص: 79 ] حكايات، لا يجد اليقين إليها سبيلا.. يحق لنا أن نضع التاريخ في مقام النحو، أي في ميدان أظهر فيه عرب القرون الأولى أصالة وقوة على الخلق والإبداع لا شك فيهما " [16] .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية