الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو برائحة قطران وعاء مسافر )

                                                                                                                            ش : يعني أن الماء إذا تغير برائحة القطران التي في وعاء المسافر فإن ذلك لا يسلبه الطهورية وظاهر كلامه سواء حصل التغير بالرائحة الباقية مع أنه لم يبق من جرم القطران في الوعاء شيء أو تغير الماء برائحة قطران باق في الوعاء فأما إن كان التغير إنما هو من الرائحة الباقية في الوعاء ولم يبق من جرم القطران في الوعاء شيء فلا شك أنه من التغير بالمجاور فلا يسلب الماء الطهورية ولا إشكال في ذلك وأما إن حصل التغير برائحة القطران مع وجود جرمه في الوعاء فالذي يظهر من كلام صاحب الطراز الآتي أنه اختار أن ذلك لا يضر وكأنه يجعله من التغير بالمجاور الملاصق وهذا هو الجاري على ما ذكر المصنف في الدهن الملاصق فإن حملنا كلام المصنف على هذا فيكون قوله أو برائحة قطران وعاء مسافر معطوفا على قوله بدهن لاصق ويكون تقييده بالمسافر خرج مخرج الغالب لأنه إنما يحتاج إلى ذلك المسافر غالبا فلا مفهوم له وإذا لم يضر تغير الماء برائحة القطران الموجود في الوعاء فأحرى إذا لم يكن موجودا ويفهم منه أنه إذا حصل التغير في لونه أو طعمه سلبه الطهورية وهذا هو الذي يظهر من كلام صاحب الطراز فكأنه قال : إن رائحة القطران إذا بقيت في الوعاء فلا بأس به ولا يستغنى عنه عند العرب وأهل البوادي وأما إذا ألقي في الماء وظهر عليه فإن راعينا مطلق الاسم قلنا يجوز الوضوء به وهو ماء مطلق حتى يتغير لونه وتثبت له صفة الإضافة .

                                                                                                                            وإن راعينا مجرد التغير منعناه والأول عندي أرجح كما قاله أصحاب الشافعي ولم ير ابن الماجشون بتغير الريح من النجاسة بأسا وهذا الفرع على أصله ظاهر انتهى . فالذي يظهر من كلامه أنه إذا غير القطران لون الماء أو طعمه سلبه الطهورية وأما إن تغيرت رائحة الماء فقط فيفصل فيه بين أن يكون من الرائحة الباقية في الوعاء فقط أو من قطران باق في الوعاء فإن كان التغير من الرائحة الباقية في الوعاء فقط فيجزم بأنه لا يضر وقوله لا يستغنى عنه عند العرب وأهل البوادي لا يريد قصر الحكم عليهم وإنما أراد أن الضرورة إليه عند من ذكر أشد وإن كان التغير من قطران ألقي في الماء فردد البحث في ذلك واختار أنه لا يضر أيضا حتى يتحقق ممازجته للماء بأن يتغير لون الماء [ ص: 56 ] يريد أو طعمه وأسقط المصنف في التوضيح بعض كلام صاحب الطراز المتقدم فصار كلامه يوهم أنه رجح الوضوء به وإن تغير لون الماء أو طعمه والله أعلم . هذا ما ظهر لي في حل كلام المصنف وكلام صاحب الطراز .

                                                                                                                            ونقل في التوضيح عن ابن راشد القفصي أنه قال : رأيت لبعض المتأخرين أنه رأى في القرب التي يسافر بها إلى الحج وفيها القطران فيتغير الماء أن الوضوء به جائز للضرورة انتهى ، وظاهره سواء كان التغير في الرائحة أو في الطعم أو في اللون فلو أسقط المصنف لفظة رائحة أمكن أن يقال : إنه إنما أشار إلى ما ذكره ابن راشد والحاصل مما تقدم أنه إن تغير ريح الماء فقط من القطران فهو من باب التغير بالمجاور فيجوز استعماله له ولا يتقيد ذلك بالضرورة ولا بالسفر وإن تغير لونه أو طعمه فإن ذلك يسلبه الطهورية ولا يجوز استعماله في الحضر ولا في السفر إلا على ظاهر ما نقله ابن راشد عن بعض المتأخرين ويتقيد حينئذ ذلك بالسفر للضرورة إليه ولا يصح مع وجود غيره والله أعلم .

                                                                                                                            وقول المصنف وعاء مسافر يريد وكذا أهل البادية كما تقدم وعبر به في الشامل والقطران بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وبكسرهما وبكسر القاف وسكون الطاء وهو عصارة شجرة الأبهل وهو العرعر وشجر الأرز يطبخ فيتحلل منه القطران ويقال في المطلي به مقطور ومقطرن والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية