الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 27 ] وخرج البخاري :

                                9 9 - من حديث سليمان بن بلال ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وستون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان " .

                                التالي السابق


                                وخرجه مسلم من هذا الوجه ، ولفظه " بضع وسبعون " .

                                وخرجه مسلم أيضا من رواية جرير ، عن سهيل ، عن عبد الله بن دينار - به ، وقال في حديثه : " بضع وسبعون ، أو بضع وستون " بالشك ، وهذا الشك من سهيل ، كذا جاء مصرحا به في " صحيح ابن حبان " وغيره .

                                وخرجه مسلم أيضا من حديث ابن الهاد ، عن عبد الله بن دينار - به ، وقال في حديثه : " الإيمان سبعون أو اثنان وسبعون بابا " .

                                ورواه ابن عجلان ، عن عبد الله بن دينار ، وقال : " ستون أو سبعون " .

                                وروي عنه أنه قال في حديثه : " ستون أو سبعون " أو بضع وأحد من العددين .

                                [ ص: 28 ] وروي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه - بهذا اللفظ أيضا .

                                وروي عنه بلفظ آخر ، وهو " الإيمان تسعة أو سبعة وسبعون شعبة " .

                                وخرجه الترمذي من رواية عمارة بن غزية وقال فيه : " الإيمان أربعة وسبعون بابا " .

                                وقد روي عن عمارة بن غزية ، عن سهيل ، عن أبيه .

                                وسهيل لم يسمع من أبيه ، إنما رواه عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح . فمدار الحديث على عبد الله بن دينار ، لا يصح عن غيره .

                                وقد ذكر العقيلي أن أصحاب عبد الله بن دينار على ثلاث طبقات :

                                أثبات : كمالك وشعبة وسفيان بن عيينة .

                                ومشايخ : كسهيل ويزيد بن الهاد وابن عجلان .

                                قال : وفي روايتهم عن عبد الله بن دينار اضطراب ، وقال : إن هذا الحديث لم يتابع هؤلاء المشايخ عليه أحد من الأثبات عن عبد الله بن دينار ، ولا تابع عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح عليه أحد .

                                والطبقة الثالثة : الضعفاء ، فيروون عن عبد الله بن دينار المناكير ، إلا أن الحمل فيها عليهم .

                                قلت : قد رواه عن عبد الله بن دينار سليمان بن بلال ، وهو ثقة ثبت . وقد خرج حديثه في " الصحيحين " .

                                [ ص: 29 ] وأما الاختلاف في لفظ الحديث فالأظهر أنه من الرواة كما جاء التصريح في بعضه بأنه شك من سهيل بن أبي صالح .

                                وزعم بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر هذا العدد بحسب ما ينزل من خصال الإيمان ، فكلما نزلت خصلة منها ضمها إلى ما تقدم وزادها عليها .

                                وفي ذلك نظر .

                                وقد ورد في بعض روايات " صحيح مسلم " عدد بعض هذه الخصال ، ولفظه : " أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان " .

                                فأشار إلى أن خصال الإيمان منها ما هو قول باللسان ، ومنها ما هو عمل بالجوارح ، ومنها ما هو قائم بالقلب ، ولم يزد في شيء من هذه الروايات على هذه الخصال .

                                وقد انتدب لعدها طائفة من العلماء كالحليمي والبيهقي وابن شاهين وغيرهم ، فذكروا كل ما ورد تسميته إيمانا في الكتاب والسنة من الأقوال والأعمال ، وبلغ بها بعضهم سبعا وسبعين ، وبعضهم تسعا وسبعين .

                                وفي القطع على أن ذلك هو مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هذه الخصال عسر ، كذا قاله ابن الصلاح ، وهو كما قال .

                                وتبويب البخاري على خصال الإيمان والإسلام والدين من أوله إلى آخره ، وما خرج فيه من الأحاديث ، وما استشهد به من الآيات والآثار الموقوفة ، إذا [ ص: 30 ] عدت خصاله ، وأضيف إليه أضداد ما ذكره في أبواب خصال النفاق والكفر - بلغ ذلك فوق السبعين أيضا ، والله أعلم .

                                وقد تكلم الراغب في كتاب " الذريعة " له على حصرها في هذا العدد بكلام عجيب جدا .

                                وفي قوله : " أعلاها قول : لا إله إلا الله " - ما يستدل به من يقول : إن هذه الكلمة أفضل الكلام مطلقا ، وإنها أفضل من كلمة الحمد . وفي ذلك اختلاف ذكره ابن عبد البر وغيره .

                                فإن قيل : فأهل الحديث والسنة عندهم أن كل طاعة فهي داخلة في الإيمان ، سواء كانت من أعمال الجوارح أو القلوب أو من الأقوال ، وسواء في ذلك الفرائض والنوافل . هذا قول الجمهور الأعظم منهم ، وحينئذ فهذا لا ينحصر في بضع وسبعين ، بل يزيد على ذلك زيادة كثيرة ، بل هي غير منحصرة .

                                قيل : يمكن أن يجاب عن هذا بأجوبة :

                                أحدها : أن يقال : إن عدد خصال الإيمان عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كان منحصرا في هذا العدد ، ثم حدثت الزيادة فيه بعد ذلك حتى كملت خصال الإيمان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                وفي هذا نظر .

                                والثاني : أن تكون خصال الإيمان كلها تنحصر في بضع وسبعين نوعا ، وإن كان أفراد كل نوع تتعدد كثيرا ، وربما كان بعضها لا ينحصر .

                                وهذا أشبه ، وإن كان الوقوف على ذلك يتعسر أو يتعذر .

                                والثالث : أن ذكر السبعين على وجه التكثير للعدد ، لا على وجه الحصر ، كما في قوله تعالى : إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [ ص: 31 ] والمراد تكثير التعداد من غير حصوله هذا في العدد ، ويكون ذكره للبضع يشعر بذلك كأنه يقول : هو يزيد على السبعين المقتضية لتكثير العدد وتضعيفه .

                                وهذا ذكره بعض أهل الحديث من المتقدمين ، وفيه نظر .

                                والرابع : أن هذه البضع وسبعين هي أشرف خصال الإيمان وأعلاها ، وهو الذي تدعو إليه الحاجة منها .

                                قال ابن حامد من أصحابنا .

                                والبضع في اللغة : من الثلاث إلى التسع ، هذا هو المشهور ، ومن قال : ما بين اثنين إلى عشر فالظاهر إنما أراد ذلك ولم يدخل الاثنين والعشر في العدد .

                                وقيل : من أربع إلى تسع .

                                وقيل : ما بين الثلاث إلى العشر .

                                والظاهر أنه هو الذي قبله باعتبار إخراج الثلاث والعشر منه .

                                وكذا قال بعضهم : ما بين الثلاث إلى ما دون العشرة .

                                وعلى هذا فلا يستعمل في الثلاث ولا في العشر ، والله أعلم .



                                الخدمات العلمية