الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                          صفحة جزء
                                          259 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم وصاحب جريج ، وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها ، فأتته أمه وهو يصلي ، فقالت : يا جريج . فقال : يا رب أمي وصلاتي ! فأقبل على صلاته فانصرفت . فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج . فقال : أي رب أمي وصلاتي ! فأقبل على صلاته ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي . فقالت : يا جريج فقال : أي رب أمي وصلاتي ! فأقبل على صلاته فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات . فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته ، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفتننه . فتعرضت له، فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها. فحملت ، فلما ولدت قالت : هو من جريج ، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه . فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك . قال : أين الصبي ؟ فجاءوا به فقال : دعوني حتى أصلي . فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟ قال : فلان الراعي . فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب . قال : لا ، أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا . وبينا صبي يرضع من أمه، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة ، فقالت أمه : اللهم اجعل ابني مثل هذا ، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه ، فقال : اللهم لا تجعلني مثله . ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع ، ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون : زنيت سرقت ، وهي تقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، فقالت أمه : اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فترك الرضاع ونظر إليها ، فقال : اللهم اجعلني مثلها ، فهنالك تراجعا الحديث . فقالت : مر رجل حسن الهيئة فقلت : اللهم اجعل ابني مثله ، فقلت : اللهم لا تجعلني مثله ، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون : زنيت سرقت فقلت : اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت : اللهم اجعلني مثلها ! قال : إن ذلك الرجل كان جبارا فقلت : اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون زنيت، ولم تزن، وسرقت، ولم تسرق، فقلت : اللهم اجعلني مثلها متفق عليه .

                                          « المومسات» بضم الميم الأولى وإسكان الواو وكسر الميم الثانية وبالسين [ ص: 88 ] المهملة، وهن الزواني . و«المومسة»: الزانية . وقوله : «دابة فارهة» بالفاء : أي حاذقة نفيسة . و«الشارة» - بالشين المعجمة وتخفيف الراء - وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس . ومعنى: «تراجعا الحديث» : أي حدثت الصبي وحدثها ، والله أعلم .

                                          التالي السابق


                                          الخدمات العلمية