الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( وعن ) إبراهيم رحمه الله تعالى قال : لا بأس بثمن كلب الصيد ، وروي أن { النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ثمن كلب الصيد } وبه نأخذ فنقول : بيع الكلب المعلم يجوز ، وعلى قول الشافعي رحمه الله لا يجوز بيع الكلب أصلا معلما كان أو غير معلم لما روي أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب } فلو كانت مالا متقوما لما أمر بذلك ، ولأن [ ص: 235 ] الكلب نجس العين بدليل نجاسة سؤره ، فلا يجوز بيعه كالخنزير ، والدليل عليه أنه لو كان محل البيع لم يفترق بين المعلم منه وغير المعلم كالفهد والبازي ، وحجتنا في ذلك ما رواه إبراهيم من الرخصة ، وذلك بعد النهي والتحريم فيه يتبين تيسير انتساخ ما روي من النهي ، وهذا لأنهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب ، وكانت الكلاب فيهم تؤذي الضيفان والغرباء فنهوا عن اقتنائها فشق ذلك عليهم فأمروا بقتل الكلاب ، ونهوا عن بيعها تحقيقا للزجر عن العادة المألوفة ، ثم رخص لهم بعد ذلك في ثمن منتفعا به من الكلاب ، وهو كلب الصيد والحرث والماشية ، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الكلب إلا كلب الصيد ، والحرث والماشية } وروى أنه { قضى في كلب الصيد بأربعين درهما ، وفي كلب الحرث بفرق من طعام ، وفي كلب الماشية بشاة منه } .

( وعن ) عثمان رضي الله تعالى عنه أنه قضي على رجل أتلف كلبا لامرأة بعشرين بعيرا ، والحديث له قصة معروفة ، وإذا ثبت أنه مال متقوم ، وهو منتفع به شرعا جاز بيعه كسائر الأموال ، وبيان كونه منتفعا به أنه يحل الانتفاع به في حالة الاختيار ، ويجوز تمليكه بغير عوض في حالة الحياة بالهبة ، وبعد الموت بالوصية فيجوز تمليكه بالعوض أيضا ، وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين ، فإن الانتفاع بما هو نجس العين لا يحل في حالة الاختيار كالخمر ، ولا يجوز تمليكه قصدا بالهبة والوصية ، ثم الصحيح من المذهب أن المعلم وغير المعلم إذا كان بحيث يقبل التعليم سواء في حكم البيع حتى ذكر في النوادر لو باع جروا جاز بيعه ; لأنه يقبل التعليم ، فأما الذي لا يجوز بيعه العقور منه الذي لا يقبل التعليم ; لأنه عين مؤذ غير منتفع به فلا يكون مالا متقوما كالذئب ، وهكذا يقول في الأسد إن كان بحيث يقبل التعليم ، ويصطاد به ، فبيعه جائز ، وإن كان لا يقبل ذلك ولا ينتفع به فحينئذ لا يجوز بيعه ، والفهد والبازي يقبل التعليم على كل حال فجاز بيعهما كذلك .

( وعن ) جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الكلب والسنور } وقال أبو يوسف رحمه الله ينقض هذا الحديث في السنور حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان يصغي لها الإناء فتشرب منه } وهو مشهور عنه صلى الله عليه وسلم ، وحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء للهر ليشرب منه ثم يتوضأ } وفي هذا دليل على أنها ليست بنجسة ، وقد نص على ذلك بقوله { أنها ليست بنجسة أنها من الطوافين عليكم والطوافات } ، ويجوز الانتفاع بها من غير ضرورة ، وما يكون بهذه الصفة [ ص: 236 ] فهو مال متقوم يجوز بيعه ، والنهي إن ثبت محمول على أنه كان في الابتداء .

.

التالي السابق


الخدمات العلمية