الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( وإذا ) فقد الرجل بصفين أو بالجمل ثم اختصم ورثته في ماله اليوم ، فإن هذا قد مات ، ألا ترى أنه لم يبق أحد أدرك ذلك الزمان ، فإذا بلغ المفقود هذه المدة فهو ميت يقسم ماله بين ورثته .

( والجمل ) حرب كان بين علي وعائشة وطلحة والزبير بالبصرة رضوان الله عليهم أجمعين . ( وصفين ) كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وبين أهل الشام ، ومن ذلك الوقت إلى وقت تصنيف هذا الكتاب كان أكثر من مائة وعشرين سنة ، والرجل الذي فقد في ذلك الوقت كان ابن عشرين سنة أو أكثر ; لأنه خرج محاربا ، ولا شك أنه لا يبقى في مثل هذه المدة الطويلة ظاهرا . فإن كان له ابن مات زمان خالد بن عبد الله وترك أخا لأمه وللمفقود عصبة ، فإني أنظر إلى سن المفقود يوم مات الابن ، فإن كان مثله يعيش إلى ذلك الوقت لم أورث الابن منه شيئا لبقائه حيا بطريق الظاهر واستصحاب الحال ، ولم أورثه من أبيه أيضا ; لأن بقاء الوارث بعد موت المورث شرط لوراثته عنه فإن الوراثة خلافة ، والحي يخلف الميت ، فأما الميت فلا يخلف الميت ، وما كان شرطا فما لم يثبت بدليل موجب له لا يثبت الحكم ، واستصحاب الحال دليل يبقى لا موجب ، فلهذا لا يرث المفقود من أبيه ثم يكون ميراث المفقود لعصبته الحي بعد ما يمضي من المدة ما لا يعيش مثله إليه ، وإن كان مثله لا يعيش إلى مثل تلك المدة حين مات ابنه جعلت الميراث لابنه ; لأن حياته بعد موت أبيه معلوم هنا بدليل شرعي ، فإذا صار مال المفقود ميراثا له كان ذلك موروثا عن ابنه بعد موته كسائر أمواله ، لأخيه لأمه منه السدس ، والباقي لعصبته ، وإن كان مات بعض من يرثه المفقود قبل هذا فنصيبه من الميراث يوقف إلى أن [ ص: 44 ] يتبين حاله ; لأنه غير محكوم بموته ، ولكنه يشتبه الحال بمنزلة الجنين في البطن فيوقف نصيبه ، فإن ظهر حيا كان ذلك مستحقا له ، وإن لم يظهر حاله فذلك مردود إلى ورثة صاحب المال على سهامهم بمنزلة الموقوف للجنين إذا انفصل الجنين ميتا ، وهذا لأنه لم يظهر شرط الاستحقاق له فيكون موروثا عن الميت كسائر ورثته يوم مات .

التالي السابق


الخدمات العلمية