الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى

روي عن ابن عباس وعائشة أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويتيمين كانا في حجره ينفق عليهما ، أحدهما مسطح بن أثاثة ، وكانا ممن خاضا في أمر عائشة ، فلما نزلت براءتها حلف أبو بكر أن لا ينفعهما بنفع أبدا ، فلما نزلت هذه الآية عاد له وقال : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، والله لا أنزعها عنهما أبدا وكان مسطح ابن خالة أبي بكر مسكينا ومهاجرا من مكة إلى المدينة من البدريين . وفي هذا دليل على أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أنه ينبغي [ ص: 164 ] له أن يأتي الذي هو خير ؛ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه .

ومن الناس من يقول إنه يأتي الذي هو خير وذلك كفارته ، وقد روي أيضا في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . ويحتج من يقول ذلك بظاهر هذه الآية وأن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة .

وليس فيما ذكروا دلالة على سقوط الكفارة ؛ لأن الله قد بين إيجاب الكفارة في قوله : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته وقوله : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم وذلك عموم فيمن حنث فيما هو خير وفي غيره . وقال الله تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أن يضربها : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وقد علمنا أن الحنث كان خيرا من تركه وأمره الله تعالى بضرب لا يبلغ منها ، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها بل كان يحنث بلا كفارة .

وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وذلك كفارته فإن معناه تكفير الذنب لا الكفارة المذكورة في الكتاب وذلك لأنه منهي عن أن يحلف على ترك طاعة الله ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالحنث والتوبة وأخبر أن ذلك يكفر ذنبه الذي اقترفه بالحلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية