الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كتاب أنزلناه إليك مبارك أي: هذا كتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليدبروا آياته : دليل على وجوب معرفة معاني القرآن، ودليل [ ص: 485 ] على أن الترتيل أفضل من الهذ; إذ لا يصح التدبر مع الهذ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد : قال مجاهد : (الصافن من الخيل): هو الذي يرفع إحدى يديه حتى تكون على طرف الحافر، ويقف على ثلاث.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : صفونها: بسطها قوائمها.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: (الصافن): القائم.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الجياد}: السراع، عن مجاهد ، وكأن واحد {الجياد}: (جود) كـ (سوط) فجمع على حذف الزيادة، وأعل، وكأن الجواد من الخيل الذي يجود بالركض.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن سليمان ورث فيما ورثه من داود ألف فرس لا مثل لها في الأرض، وكان يحبها، فجلس يوما، وعرضت عليه من بعد الظهر إلى غيبوبة الشمس، وأغفل صلاة العصر، فعرقبها، وضرب أعناقها إلا مئة منها، روي معناه عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: أخرج الشيطان الخيل لسليمان من مرج من مروج البحر، وكانت لها أجنحة، وكذلك قال علي -رضي الله عنه-: كانت عشرين فرسا ذوات أجنحة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن ابن عباس أيضا في قوله: فطفق مسحا بالسوق والأعناق : [ ص: 486 ] أن سليمان إنما طفق يمسح أعرافها وعراقيبها; حبا لها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : قطع أعناقها وسوقها، فأبدله الله خيرا منها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنه إنما فعل ذلك بها ذكاة، وكانت الذكاة في شريعته كذلك جائزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي يعني بـ{الخير}: الخيل، والعرب تسميها بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء: المعنى: إني آثرت حب الخيل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إني أحببت الخيل حبا [مثل حبي الخير، وهو المال] فألهاني عن ذكر ربي، فهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول، ودلت إضافته إليه على إرادة تعدي الفعل إليه، فاكتفي بإضافة المصدر، وقد حذف [ ص: 487 ] المفعول في نحو: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم [فصلت: 34].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أحببت حب الخير من ذكر ربي; فـ {الخير}: ذكر الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن معنى {أحببت}: قعدت، وتأخرت، من قولهم: (أحب البعير) إذا برك وتأخر، فالمعنى: قعدت، وتأخرت عن ذكر ربي حتى توارت الشمس بالحجاب.

                                                                                                                                                                                                                                      و {حب} على هذا: مفعول له، وعلى قول من قال: إن معنى {أحببت}: آثرت: مفعول به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: عن ذكر ربي : يجوز أن يكون في موضع الحال; كأنه قال: أحببت ذلك معرضا عن ذكر ربي، ويجوز أن يكون محمولا على المعنى، وليس بحال; لأن في {أحببت} دليلا على (اشتغلت).

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون {حب} من (الإحباب) الذي معناه: المحبة، فحذفت الزيادة، ويجوز أن يكون من (حببته) من المحبة، وعليه جاء (محبوب).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى توارت بالحجاب : أضمرت (الشمس) قبل الذكر; لأن ذلك معلوم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 488 ] وقيل: المعنى: توارت الخيل بالحجاب، أي: شغلتني حتى توارت في الإصطبلات.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : لما قال: {بالعشي}: كان المعنى: بعد زوال الشمس، فجيء بالضمير على هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب : روي: أن الله عز وجل ألقى شبه سليمان على شيطان يقال له صخر، فأخذ خاتم ملكه من خازنته، وجلس على سريره، وملك بني إسرائيل أربعين ليلة، ثم أنكرت سيرته، فهرب، وألقى الخاتم في البحر، فابتلعته سمكة، فصادها سليمان، فوجد الخاتم في بطنها، ورجع إلى ملكه، وأتى بصخر، فأدخله في صخرة مقورة، وأطبق عليه أخرى، وختم عليه بخاتمه، وألقاه في البحر، وقال: هذا محبسك إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الشياطين قتلت ابنا لسليمان، وألقته على كرسيه; خوفا أن يملكهم بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنه طاف على نسائه، وقال: أرجو أن تلد كل واحدة منكن ذكرا، [ ص: 489 ] ولم يقل: إن شاء الله، فلم تحمل إلا واحدة منهن، وولدت ولدا; فمات، وألقي على كرسيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن سبب فتنته: أن جرادة امرأته -وكان يحبها- سألته أن يحكم لأختها في خصومة، فقال، نعم، ولم يفعل فابتلي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي : قيل: سأل ذلك; ليقوى به على الجهاد، وليعمل فيه بالعدل، وسأل ألا يملكه أحد من بعده؛ لئلا يعمل فيه بالمعاصي، وقيل: ليكون علما لنبوته، وقيل: ليكون علما لإجابة دعوته، وقبول توبته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب : قال ابن عباس : مطيعة حيث أراد، ومعروف في اللغة {أصاب} بمعنى: أراد.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن قتادة : (الرخاء): اللينة، وعنه أيضا: السريعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والشياطين كل بناء وغواص : يعني: من يبني له المحاريب وغيرها، ويغوص له في البحر على الحلية، وتقدم القول في {الأصفاد} .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 490 ] وقوله: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب أي: هذا الملك عطاؤنا; فأعط من شئت، وامنع من شئت لا حساب عليك، عن الحسن والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : المعنى: هؤلاء الشياطين، فاحبس من شئت منهم، وسرح من شئت.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : الإشارة في قوله: هذا عطاؤنا إلى ما أعطيه من القوة على الجماع، وكانت له ثلاث مئة امرأة، وتسع مئة سرية، وكان في ظهره قوة مئة رجل، فيكون المعنى على هذا: فجامع من شئت، واترك جماع من شئت منهن، لا حساب عليك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: هذا عطاؤنا بغير حساب; أي: بغير تقتير.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : كل أحد يحاسب على نعم الله عنده إلا سليمان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب : قال أبو عبيدة: (النصب): الشر، و (النصب): الإعياء، وقيل: هما سواء كـ (الحزن، [ ص: 491 ] والحزن) ونظائره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: اركض برجلك أي: حرك بها الأرض، قال قتادة : ضرب برجله الأرض فإذا عينان، فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى، فذهب ما كان به، وتقدم القول في [خبر أيوب عليه السلام].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وخذ بيدك ضغثا : (الضغث): ملء الكف من الخشب، أو الشماريخ، أو الحشيش.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: هو من الشجر الرطب.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: هو ما يقع من السنبل.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : هو عود فيه تسعة وتسعون عودا، وأصله تمام المئة.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان أيوب قد حلف ليضربن امرأته مئة إن شفي، وكان سبب ذلك -فيما روي- أنها قطعت ثلاث ذوائب من شعرها، وباعتها واشترت لأيوب طعاما، وقيل: تصور لها الشيطان، وقال: أنا أداوي أيوب، على أنه إذا شفي قال: أنت شفيتني، فذكرت ذلك لأيوب فحلف ليضربنها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية