الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ريب ]

                                                          ريب : الريب : صرف الدهر . والريب والريبة : الشك ، والظنة والتهمة . والريبة - بالكسر - والجمع ريب . والريب : ما رابك من أمر . وقد رابني الأمر ، وأرابني . وأربت الرجل : جعلت فيه ريبة . وربته : أوصلت إليه الريبة . وقيل : رابني : علمت منه الريبة ، وأرابني ، أوهمني الريبة ، وظننت ذلك به . ورابني فلان يريبني إذا رأيت منه ما يريبك وتكرهه . وهذيل تقول : أرابني فلان ، وارتاب فيه أي : شك . واستربت به إذا رأيت منه ما يريبك . وأراب الرجل : صار ذا ريبة ، فهو مريب . وفي حديث فاطمة : يريبني ما يريبها أي : يسوءني ما يسوءها ، ويزعجني ما يزعجها ، هو من رابني هذا الأمر ، وأرابني إذا رأيت منه ما تكره . وفي حديث الظبي الحاقف : لا يريبه أحد بشيء أي : لا يتعرض له ويزعجه . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : مكسبة فيها بعض الريبة خير من مسألة الناس ، قال القتيبي : الريبة والريب الشك ، يقول : كسب يشك فيه ، أحلال هو أم حرام ، خير من سؤال الناس ، لمن يقدر على الكسب ، قال : ونحو ذلك المشتبهات . وقوله تعالى : لا ريب فيه . معناه : لا شك فيه . وريب الدهر : صروفه وحوادثه . وريب المنون : حوادث الدهر . وأراب الرجل : صار ذا ريبة فهو مريب . وأرابني : جعل في ريبة ، حكاهما سيبويه . التهذيب : أراب الرجل يريب إذا جاء بتهمة . وارتبت فلانا أي : اتهمته . ورابني الأمر ريبا أي : نابني وأصابني . ورابني أمره يريبني أدخل علي شرا وخوفا . قال : ولغة رديئة أرابني هذا الأمر . قال ابن الأثير : وقد تكرر ذكر الريب ، وهو بمعنى الشك مع التهمة ، تقول رابني الشيء وأرابني ، بمعنى شككني ، وقيل : أرابني في كذا أي : شككني وأوهمني الريبة فيه ، [ ص: 274 ] فإذا استيقنته ، قلت : رابني ، بغير ألف . وفي الحديث : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، يروى بفتح الياء وضمها ، أي : دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه . وفي حديث أبي بكر ، في وصيته لعمر - رضي الله عنهما - قال لعمر : عليك بالرائب من الأمور ، وإياك والرائب منها . قال ابن الأثير : الرائب من اللبن ما مخض فأخذ زبده ، المعنى : عليك بالذي لا شبهة فيه كالرائب من الألبان ، وهو الصافي ، وإياك والرائب منها أي : الأمر الذي فيه شبهة وكدر ، وقيل : المعنى : أن الأول من راب اللبن يروب ، فهو رائب ، والثاني من راب يريب إذا وقع في الشك ، أي : عليك بالصافي من الأمور ، ودع المشتبه منها . وفي الحديث : إذا ابتغى الأمير الريبة في الناس أفسدهم ، أي : إذا اتهمهم وجاهرهم بسوء الظن فيهم ، أداهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ، ففسدوا . وقال اللحياني : يقال : قد رابني أمره يريبني ريبا وريبة ، هذا كلام العرب ، إذا كنوا ألحقوا الألف ، وإذا لم يكنوا ألقوا الألف . قال : وقد يجوز فيما يوقع أن تدخل الألف ، فتقول : أرابني الأمر ، قال خالد بن زهير الهذلي :


                                                          يا قوم ! ما لي وأبا ذؤيب كنت إذا أتيته من غيب     يشم عطفي ويبز ثوبي
                                                          كأنني أربته بريب



                                                          قال ابن بري : والصحيح في هذا أن رابني بمعنى شككني وأوجب عندي ريبة ، كما قال الآخر :


                                                          قد رابني من دلوي اضطرابها



                                                          وأما أراب ، فإنه قد يأتي متعديا وغير متعد ، فمن عداه جعله بمعنى راب ، وعليه قول خالد :


                                                          كأنني أربته بريب



                                                          وعليه قول أبي الطيب :


                                                          أتدري ما أرابك من يريب



                                                          ويروى :


                                                          كأنني قد ربته بريب



                                                          فيكون على هذا رابني وأرابني بمعنى واحد . وأما أراب الذي لا يتعدى ، فمعناه : أتى بريبة ، كما تقول : ألام ، إذا أتى بما يلام عليه ، وعلى هذا يتوجه البيت المنسوب إلى المتلمس ، أو إلى بشار بن برد ، وهو :


                                                          أخوك الذي إن ربته قال : إنما     أربت وإن لاينته لان جانبه



                                                          والرواية الصحيحة في هذا البيت : أربت ، بضم التاء ، أي : أخوك الذي إن ربته بريبة ، قال : أنا الذي أربت أي : أنا صاحب الريبة ، حتى تتوهم فيه الريبة . ومن رواه أربت ، بفتح التاء ، فإنه زعم أن ربته بمعنى أوجبت له الريبة ، فأما أربت - بالضم - . فمعناه أوهمته الريبة ، ولم تكن واجبة مقطوعا بها . قال الأصمعي : أخبرني عيسى بن عمر أنه سمع هذيلا تقول : أرابني أمره ، وأراب الأمر : صار ذا ريب ، وفي التنزيل العزيز : إنهم كانوا في شك مريب أي : ذي ريب . وأمر رياب : مفزع . وارتاب به : اتهم . والريب : الحاجة ، قال كعب بن مالك الأنصاري :


                                                          قضينا من تهامة كل ريب     وخيبر ثم أجممنا السيوفا



                                                          وفي الحديث : أن اليهود مروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم : سلوه ، وقال بعضهم : ما رابكم إليه ؟ أي : ما إربكم وحاجتكم إلى سؤاله ؟ وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : ما رابك إلى قطعها ؟ قال ابن الأثير : قال الخطابي : هكذا يروونه ، يعني بضم الباء ، وإنما وجهه : ما إربك ؟ أي : ما حاجتك ؟ قال أبو موسى : يحتمل أن يكون الصواب ما رابك ؟ بفتح الباء ، أي : ما أقلقك وألجأك إليه ؟ قال : وهكذا يرويه بعضهم . والريب : اسم رجل . والريب : اسم موضع ، قال ابن أحمر :


                                                          فسار به حتى أتى بيت أمه     مقيما بأعلى الريب عند الأفاكل



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية