الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإن طلق امرأته واحدة ، أو اثنتين ثم تزوجها بعد زوج قد دخل بها ، فهي عنده على ثلاث تطليقات مستقبلاتفي قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ، وهو قول ابن عباس وابن عمر وإبراهيم ، وأصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وعند محمد وزفر والشافعي رحمهم الله تعالى هي عنده بما بقي من طلاقها ، وهو قول عمر وعلي وأبي بن كعب وعمران بن الحصين وأبي هريرة رضي الله عنهم فأخذ الشبان من الفقهاء بقول المشايخ من الصحابة رضوان الله عليهم والمشايخ من الفقهاء بقول الشبان من الصحابة رضوان الله عليهم .

وحجة محمد رحمه الله تعالى في ذلك أن الزوج الثاني غاية للحرمة الحاصلة بالثلاث قال الله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } وكلمة حتى للغاية حقيقة ، وبالتطليقة والتطليقتين لم يثبت شيء من تلك الحرمة ; لأنها متعلقة بوقوع الثلاث .

وببعض أركان العلة لا يثبت شيء من الحكم ، فلا يكون الزوج الثاني غاية ; لأن غاية الحرمة قبل وجودها لا يتحقق كما لو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فوالله لا أكلم فلانا حتى أستشير فلانا ثم استشاره قبل مجيء رأس الشهر ، لا يعتبر هذا : لأن الاستشارة غاية للحرمة الثابتة باليمين فلا تعتبر قبل اليمين ، وإذا لم تعتبر ، كان وجودها كعدمها .

ولو تزوجها قبل التزوج ، أو قبل إصابة الزوج الثاني ، كانت عنده بما بقي من التطليقات ، فكذلك هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا : إصابة الزوج الثاني بنكاح صحيح يلحق المطلقة بالأجنبية في الحكم المختص بالطلاق كما بعد التطليقات الثلاث ، وبيان هذا أن بالتطليقات الثلاث تصير محرمة ومطلقة ثم بإصابة الزوج الثاني يرتفع الوصفان جميعا وتلتحق بالأجنبية التي لم يتزوجها قط ، فبالتطليقة الواحدة تصير موصوفة بأنها مطلقة ، فيرتفع ذلك بإصابة الزوج الثاني ، ثم الدليل على أن الزوج الثاني رافع للحرمة لا منه أن المنهي يكون متقررا في نفسه ، ولا حرمة بعد إصابة الزوج الثاني فدل أنه رافع للحرمة ; ولأنه موجب للحل ، فإن صاحب الشرع سماه محللا فقال صلى الله عليه وسلم { لعن الله المحلل والمحلل له } وإنما كان محللا ; لكونه موجبا للحل ، ومن ضرورته أنه يكون رافعا للحرمة ، وبهذا تبين أن جعله غاية مجاز ، وهو نظير قوله تعالى { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } ، والاغتسال موجب للطهارة رافع للحدث لا أن يكون غاية للجنابة .

والدليل عليه أن أحكام الطلاق تثبت متأبدة لا إلى غاية [ ص: 96 ] ولكن ترتفع بوجود ما يرفعها كحكم زوال الملك لا يثبت مؤقتا ولكن يرتفع بوجود ما يرفعه ، وهو النكاح ، وإذا ثبت أن الزوج الثاني موجب للحل فإنما يوجب حلالا يرتفع إلا بثلاث تطليقات ، وذلك غير موجود بعد التطليقة والتطليقتين فيثبت به ، ولما كان رافعا للحرمة إذا اعترض بعد ثبوت الحرمة ، فلأن يرفعها وهو بعرض الثبوت أولى ، ولأن يمنع ثبوتها إذا اقترن بأركانها أولى ومحمد رحمه الله تعالى يقول : ثبوت الحرمة بسبب إيقاع الطلاق ، وذلك لا يرتفع بالزوج الثاني ; حتى لا تعود منكوحة له ، وبقاء الحكم ببقاء سببه فعرفنا أنه ليس برافع للحرمة ولا هو موجب للحل ; لأن تأثير النكاح الثاني في حرمتها على غيره فكيف يكون موجبا للحل لغيره وسماه محللا ; لأنه شرط للحل لا ; لأنه موجب للحل ، ألا ترى أنه سماه ملعونا باشتراط ما لا يحل له شرعا فعرفنا أنه غير موجب للحل ولكن الحرمة تحتمل التوقيت كحرمة المعتدة ، وحرمة الاصطياد على المحرم فجعلنا الزوج الثاني غاية للحرمة ; عملا بحقيقة كلمة حتى المذكورة في الكتاب والسنة حيث قال صلى الله عليه وسلم { : حتى تذوقي من عسيلته } ومسألة يختلف فيها كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ; لغور فقهها يصعب الخروج منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية