الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون

شبه تبارك وتعالى الكفار في عبادتهم الأصنام وبنائهم جميع أمورهم على ذلك بالعنكبوت التي تبني وتجتهد، وأمرها كلها ضعيف متى مسته أدنى هابة دهمته، وكذلك أمر أولئك وسعيهم مضمحل لا قوة له ولا معتمد، ومن حديث ذكره النقاش : العنكبوت شيطان مسخه الله تعالى فاقتلوه ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه يورث الفقر ، وقوله تعالى: لو كانوا يعلمون أي: يعلمون أن هذا مثلهم، وأن حالهم ونسبتهم من الحق هذه الحالة.

[ ص: 647 ] قوله تعالى: إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم . قرأ أبو عمرو ، وسلام : "يعلم ما" بالإدغام، وقرأ عامة القراء بالفك، وقرأ الجمهور : "تدعون" بالتاء من فوق، وقرأ أبو عمرو ، وعاصم بخلاف- "يدعون" بالياء من تحت على الغيبة. فأما موضع "ما" من الإعراب، فقيل: معناه أن الله يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء أن حالهم هذه، وأنهم أمر لا قدر له، وقيل: قوله: إن الله يعلم إخبار تام، وقوله: وهو العزيز الحكيم متصل به، واعترض بين الكلامين ما يدعون من دونه من شيء ، وذلك على هذا النحو من النظر، ويحتمل معنيين: أحدهما أن تكون "ما" نافية، أي: لستم تدعون شيئا له بال ولا قدر، فيصلح أن يسمى شيئا، وفي هذا تعليق "يعلم"، وفيه نظر، والثاني أن تكون "ما" استفهاما، كأنه قرر -على جهة التوبيخ- على هذا المعبود من جميع الأشياء ما هو إذ لم يكن الله تعالى، أي: ليس لهم -على هذا التقدير- مقنع إليه، فـ "من" على القول الأول والثالث للتبعيض المجرد، وعلى القول الوسط هي زائدة في الجحد، ومعناها التأكيد، وقال أبو علي : "ما" استفهام نصب بـ "يدعون"، ولا يجوز نصبها بـ "يعلم"، والجملة التي هي منها في موضع نصب بـ "يعلم"، والتقدير: إن الله تعالى يعلم أوثانا تدعون من دونه أو غيرها لا يخفى ذلك عليه.

وقوله تعالى: وتلك الأمثال إشارة إلى هذا المثل ونحوه، و "نضربها" مأخوذ من الضرب، أي: النوع، كما تقول: "هذان من ضرب واحد"، "وهذا ضرب هذا"، أي: قرينه وشبهه، فكأن "ضرب المثل" هو أن تجعل الأمر الممثل ضريب. وباقي الآية بين.

وقال جابر : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: إلا العالمون : العاقل من عقل عن الله تعالى، وعمل بطاعته، وانتهى عن معصيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية