الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 60 ] فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      فأقم وجهك للدين تمثيل لإقباله على الدين، واستقامته، وثباته عليه، واهتمامه بترتيب أسبابه فإن من اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد عليه طرفه، وسدد إليه نظره وقوم له وجهه مقبلا به عليه، أي: فقوم وجهك له، وعدله غير ملتفت يمينا وشمالا، وقوله تعالى: حنيفا حال من المأمور، أو من الدين. فطرت الله الفطرة الخلقة. وانتصابها على الإغراء، أي: الزموا. أو عليكم فطرة الله فإن الخطاب للكل، كما يفصح عنه قوله تعالى: "منيبين" والإفراد في أقم لما أن الرسول صلى الله عليه وسلم إمام الأمة، فأمره صلى الله عليه وسلم مستتبع لأمرهم. والمراد بلزومها الجريان على موجبها، وعدم الإخلال به باتباع الهوى، وتسويل الشياطين، وقيل: على المصدر، أي: فطر الله فطرة، وقوله تعالى: التي فطر الناس عليها صفة لـ فطرة الله مؤكدة لوجوب الامتثال بالأمر، فإن خلق الله الناس على فطرته التي هي عبارة عن قبولهم للحق، وتمكنهم من إدراكه. أو عن ملة الإسلام من موجبات لزومها، والتمسك بها قطعا. فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها، وما اختاروا عليها دينا آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الإنس والجن، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن رب العزة: "كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وأمروهم أن يشركوا بي غيري". وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه". وقوله تعالى: لا تبديل لخلق الله تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى، أو لوجوب الامتثال به، أي: لا صحة ولا استقامة لتبديله بالإخلال بموجبه، وعدم ترتيب مقتضاه عليه باتباع الهوى، وقبول وسوسة الشيطان، وقيل: لا يقدر أحد على أن يغيره فلا بد حينئذ من حمل التبديل على تبديل نفس الفطرة بإزالتها رأسا، ووضع فطرة أخرى مكانها غير مصححة; لقبول الحق. والتمكن من إدراكه ضرورة أن التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعا، فالتعليل حينئذ من جهة أن سلامة الفطرة متحققة في كل أحد فلا بد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها، وعدم الإخلال به بما ذكر من اتباع الهوى، وخطوات الشيطان. ذلك إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له، أو إلى لزوم فطرة الله المستفاد من الإغراء، أو إلى الفطرة إن فسرت بالملة. والتذكير بتأويل المذكور، أو باعتبار الخبر. الدين القيم المستوي الذي لا عوج فيه. ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك فيصدون عنه صدودا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية