الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله عز وجل آدم صلى الله عليه وسلم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله قال فزادوه ورحمة الله : قال وكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل ينقص الخلق بعد حتى الآن : .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الثاني) وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله عز وجل آدم عليه السلام على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله : قال فزادوه ورحمة الله : وكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل ينقص الخلق بعد حتى الآن (فيه) : فوائد :

                                                            (الأولى) : اتفق عليه الشيخان من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة (الثانية) : قوله خلق الله آدم على صورته : الضمير فيه عائد إلى أقرب مذكور ، وهو آدم عليه السلام وهذا هو الأصل في عود الضمائر ومعنى ذلك أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل [ ص: 105 ] في النشأة أحوالا ولا تردد في الأرحام أطوارا كذريته يخلق أحدهم صغيرا فيكبر وضعيفا فيقوى ويشتد بل خلقه رجلا كاملا سويا قويا ويحتمل أن يكون معناه الإخبار عن أن الله تعالى خلقه يوم خلقه على الصورة التي كان عليها بالأرض وأنه لم يكن بالجنة على صورة أخرى ولا اختلفت صفاته ولا صورته كما تختلف صور الملائكة والجن ومما يؤكد عود الضمير على آدم تعقيبه ذلك بقوله طوله ستون ذراعا ومن قال من المشبهة إن الضمير عائد على الله تعالى فهو خلاف ظاهر اللفظ ومع ذلك فلا يحصل مقصودهم من التشبيه تعالى الله عنه فإن ذلك عند الذين يؤولون مثل هذا إما على أن الإضافة هنا للتشريف والاختصاص كقوله تعالى ناقة الله وكما يقال في الكعبة ( بيت الله ) : ونحو ذلك وإما على معنى أن الصورة بمعنى الصفة أي على الصفة التي يرضاها وهي العلم وجمهور السلف على الإمساك عن تأويل أحاديث الصفات والإيمان بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد ولها معان تليق بها فوكل علمها إلى عالمها وقد تقدم ذلك في باب اتقاء الوجه في الحدود والتعزيرات .

                                                            (الثالثة) : قوله طوله ستون ذراعا : قال أبو العباس القرطبي أي من ذراع نفسه والله أعلم .

                                                            ويحتمل أن يكون ذلك الذراع مقدرا بأذرعتنا المتعارفة عندنا . .



                                                            (الرابعة) : فيه دليل على تأكد حكم السلام فإنه مما شرع وكلف به آدم عليه السلام ثم لم ينسخ في شريعة من الشرائع فإنه سبحانه أخبره أنها تحيته وتحية ذريته من بعده فلم يزل ذلك شرعا معمولا به في الأمم على اختلاف شرائعها إلى أن انتهى .

                                                            ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأمر به وبإفشائه وجعله سببا للمحبة الدينية ولدخول الجنة العلية قال أبو العباس القرطبي وهذا كله يشهد لمن قال بوجوبه ، وهو أحد القولين للعلماء وقد تقدم القول في ذلك .



                                                            (الخامسة) : قوله فاستمع ما يحيونك : بالحاء المهملة من التحية وكذا ذكره القاضي عياض في شرح مسلم قال ويروى يجيبونك من الجواب .

                                                            (السادسة) : فيه سلام الوارد على الجالس والقليل على الكثير وقد تقدم ذلك .

                                                            (السابعة) : فيه أن كيفية السلام أن يقول السلام عليكم ثم يحتمل أن يكون الله تعالى علم آدم عليه السلام هذا اللفظ ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله تعالى فسلم على أولئك [ ص: 106 ] النفر : قال أصحابنا ولو قال سلام عليكم بالتنوين كفى ولكن الإتيان بالألف واللام أفضل .



                                                            (الثامنة) : فيه أنه يستحب أن يكون في رد السلام زيادة على الابتداء لقولهم ورحمة الله : وقد قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وينبغي أن يزيد أيضا (وبركاته) : واستدل العلماء لزيادة اللفظين بقوله تعالى إخبارا عن سلام الملائكة بعد ذلك (السلام ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) : وبقول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . .



                                                            (التاسعة) : فيه أنه يجوز أن يقول في الرد السلام عليكم ، وإن كان الأفضل أن يقول وعليكم السلام فيأتي بالواو ويقدم لفظة عليكم واستأنسوا لذلك أيضا بقول الله تعالى قالوا سلاما قال سلام ولو قال وعليكم بالواو من غير ذكر لفظ السلام ، فقال إمام الحرمين الرأي عندنا أنه لا يكون جوابا ؛ لأنه ليس فيه تعرض للسلام ، ومنهم من جعله جوابا للعطف فلو قال عليكم بغير واو فليس جوابا قطعا .



                                                            (العاشرة) : فيه أنه يكفي في جواب الواحد أن يقال عليك السلام فيأتي بلفظ الإفراد ، وكذا في ابتداء السلام على الواحد لو قال له السلام عليك كفى أيضا وقد صرح بذلك أصحابنا قالوا والأفضل أن يقول عليكم ليتناوله وملائكته .



                                                            (الحادية عشرة) : قوله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم : أي على صفته وهذا يدل على أن صفات النقص التي تكون في الآدميين في الدنيا من السواد ونحوه تنتفي عنه عند دخول الجنة فلا يكون الأعلى أكمل الحالات وأحسن الهيئات وسيأتي في الحديث الصحيح أن أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر .

                                                            (الثانية عشرة) : قوله وطوله ستون ذراعا : الظاهر أنه إنما أتى بالواو لئلا يتوهم أن هذه الجملة تفسير لقوله على صورة آدم وأن المراد هذه الصفة المخصوصة دون غيرها فلما أتى بالواو انتفى ذلك ، وإذا حملت الصورة على مطلق الصفة كان قوله وطوله ستون ذراعا من ذكر الخاص بعد العام ، وإذا حمل على صورة الوجه لم يكن فيه ذلك والله أعلم .

                                                            (الثالثة عشرة) : قوله فلم يزل ينقص الخلق بعد حتى الآن : يعني أن كل قرن تكون نشأته في الطول أقصر من أهل القرن الذي قبله فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة وعلى طولها استقر الأمر فلم يقع من زمن النبي [ ص: 107 ] صلى الله عليه وسلم وإلى زماننا هذا تفاوت في الخلق بالطول والقصر بل الناس الآن على ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم طويلهم كطويل ذلك الزمان وقصيرهم كقصير ذلك الزمان والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية