الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الخامس وعنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن همام واتفق عليه الشيخان من طريق أبي الزناد عن الأعرج ومن طريق الأعمش عن أبي صالح ثلاثتهم عن أبي هريرة .

                                                            (الثانية) معناه أن الله تعالى ادخر في الجنة من النعيم ، والخيرات ، واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق بطريق من الطرق فذكر الرؤية ، والسمع لأنه يدرك بهما أكثر المحسوسات ، والإدراك بالذوق ، والشم ، واللمس أقل من ذلك ، ثم زاد على ذلك أنه لم يجعل لأحد طريقا إلا توهمها بفكر وخطور على قلب فقد جلت وعظمت عن أن يدركها فكر وخاطر ، ولا غاية فوق هذا في إخفائها ، والإخبار عن عظم شأنها على طريق الإجمال دون التفصيل قال أبو العباس القرطبي .

                                                            وقد تعرض بعض الناس لتعيينه ، وهو تكلف ينفيه الخبر نفسه إذ قد نفى علمه ، والشعور به عن كل أحد قال ويشهد له ويحققه قوله في رواية [ ص: 274 ] الصحيحين بله ما أطلعكم عليه أي ما أطلعكم عليه يعني أن المعد المذكور غير الذي أطلع عليه أحدا من الخلق وبله اسم من أسماء الأفعال بمعنى دع هذا هو المشهور فيها وقيل هي بمعنى غير وهذا تفسير معنى . قال النووي ومعناه دع ما أطلعكم عليه فالذي لم يطلعكم عليه أعظم فكأنه أضرب عنه استقلالا في جنب ما لم يطلع عليه وقيل معنى بله كيف .

                                                            (الثالثة) إن (قلت) روى أبو داود ، والترمذي وصححه وغيرهما من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله الجنة أرسل جبريل إليها فقال انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فجاءها فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها قال فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره فرجع إليه فقال وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد .

                                                            فقد دل هذا الحديث على أن الله تعالى قد أطلع جبريل عليه السلام على ما أعد لعباده فيها فقد رأته عين (قلت) الجواب عنه من أوجه :

                                                            (أحدها) أنه تعالى خلق فيها بعد رؤية جبريل عليه السلام أمورا كثيرة لم يطلع عليها جبريل ولا غيره فتلك الأمور هي المشار إليها في هذا الحديث .

                                                            (ثانيها) أن المراد بالأعين ، والآذان أعين البشر وآذانها بدليل قوله ولا خطر على قلب بشر فأما الملائكة فلا مانع من اطلاع بعضهم على ذلك .

                                                            (ثالثها) أن ذلك يتجدد لهم في الجنة في كل وقت ويدل له ما رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا في أثنائه ويقول ربنا قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع الأذان ، ولم يخطر على القلوب فنحمل لنا ما اشتهينا الحديث ولا يمنع من ذلك قوله أعددت لأن هذا لما كان محقق الوقوع نزل منزلة الواقع .




                                                            الخدمات العلمية